الوحدة : 12-8-2022
عالم اليوم لم يعد العالم المأمول للبشر، عالم غائم هائم على وجهه فاقد للحب لم يعد صالحاً للعيش، فقد تشظى الإنسان وانهارت حضارته، وانهدمت منظومته الفكرية والقيمية أمام عجلة الآلة المتسارعة.حيث حولت الثورة التقنية البشر إلى كائنات أوتوماتيكية لا وظيفة لها سوى إدارة جحافل الآلات وصيانتها وتنظيفها. الانفجار المعرفي المتسارع وغير المضبوط أدى إلى العمى الفكري والضمور القيمي والتردي الثقافي، التكنولوجيا التي أدهشتنا واستسلمنا لإغراءاتها أدمنت تمزيقاً في عقولنا وحياتنا وأحلامنا وعواطفنا، وانتزعت الحب من قلوبنا وأبقت فيه على المشاعر السلبية التي تحمل الفناء لإنسانيتنا، المعلوماتية صارت الآن واقعاً ليس لنا خيار في قبوله أو رفضه. وهي الآن الأساس في صناعة الحياة الخاصة والعامة للمجتمعات الإنسانية والارتداد بشكل عكسي على فعاليات الحياة اليومية، والعلاقات العائلية والاجتماعية، قفزة تكنولوجية من الصعب إيقافها و تحجيمها ، حيث صار بإمكان الإنسان أن يتعرف بواسطة الريموت كونترول على مشاعر وعواطف وخفايا الآخرين. الذكاء الأصطناعي حرب همجية يقودها العالم المتقدم ضد نفسه والآخرين ، حيث وصل التطور الفائق للذكاء الاصطناعي إلى هزيمة العقل البشري وانتقال الوعي من الإنسان إلى الآلة، وبداية مرحلة وحشية غير مضبوطة، حطمت فكره وأخلاقه وعاطفته، تطور مذهل في شتى مجالات الحياة عصي التحكم والسيطرة ، لكنه لم يشهد تطوراً إنسانياً يواكبه ويماشيه، تطور جعل المال كل شيء في هذا العالم من قبل الكثيرين من أبناء الجنس البشري. إضافة إلى مشاكل العصر الحالي والانفجار السكاني والتلوث البيئي وشح المياه ونقص الغذاء بشكل خطير جاء خواء العقول وتدمير الحياة والمستقبل ، مستقبل قاتم وخطر يتهدد البشرية من انعدام القيم والمبادئ التي ستختفي وتحل محلها الرذائل، وصارت الحياة كابوساً، والبشر ليسوا سوى آلات تسير بلا هدف، والمجتمع مريض بأكمله وكل الخوف من الوصول إلى منعطف خطير قاتم ينذر بالأسوأ على البشرية والكون. يقول الكاتب البرتغالي جوزيه ساباتو حامل نوبل: إن نفسي ترتعش حين أرى البشر منخرطين في سباق يبعث على الدوار ،وقد أصابهم فعلاً. فلا يعرفون أين هم ذاهبون، ولا حتى تحت أي راية ينضوون. بعد تنامي حضور أدوات التكنولوجيا في حياة الإنسان صار الإنسان أقل راحة وأقل سعادة وأكثر عزلة وفردية وفقد حيوية المرح ومتعة الحياة ، إنسان مختل إلى درجة خطيرة يمعن في تدمير وتخريب عالمه، وأصبحنا نعيش في عالم لا حب فيه ولا عواطف إنسانية، يسوده الطمع والأنانية والجهل والفوضى والكراهية، عالم يضيق ويتحجر. يعيش بلا إنسانية وبلا أحاسيس. الحب سنة الحياة وقانونها الرائع الجميل يرتقي بالإنسان ويهذبه، عاطفة نقية نزيهة لا تشوبها أغراض المادة، وحاجة اجتماعية لها وظيفتها في حماية المجتمع والحفاظ على تماسكه وقوة نسيجه، وقد أدت الثورة التكنولوجية إلى انتزاع مشاعر الحب من قلوب البشر بمباضع التقنية الجهنمية فأهلكت وعيهم بوجودهم وهواهم وتحولت العواطف النبيلة إلى رزيلة، وانهيار عصر الرومانسية والحب واهتزاز المشاعر بين الناس. فكيف لأجهزة التكنولوجيا الباردة التعبير عن مشاعر البشر الحارة؟.
نعمان إبراهيم حميشة