الوحدة: 13-7-2022
من موقعة سليقة البرغل تبدأ معارك تحضير مؤونة الشتاء، فبعد جني محصول الحنطة وعملية (الدريس) وتسويق الفائض، يقوم المزارع بأخذ حاجة العائلة من (مسامير الرُكب) كما يقال عن البرغل، للقيام بسلقها بأوانٍ كبيرة تسمّى القصّة أو الدست على نار الحطب، وتلك العملية عبارة عن فلكلور سنوي يمارسه سكّان القرى بالتحديد، فيعمدون إلى تنظيف الأسطح ونشر الحنطة المسلوقة بواسطة سلال القصب لتتشبّع من أشعّة الشمس فتكون أكثر تحمّلاً لتقلّبات الطقس وبعيدة عن التلف، وهذه الطقوس كنّا نعتبرها بمثابة الأعياد، وكانت تستحوذ على اهتمامنا ونتحضّر لها وننتظر موسمها وكأنها جزء ضروري من كياننا القروي الجميل، وهي ستمتدّ لأيام وأسابيع لأن الأواني الخاصّة بالسّلق ستتنقّل بين الجميع لعدم امتلاكهم لها، وعندما تنضج الحنطة تبدأ عمليات الضيافة لتكون (سنة مباركة) فتتم تعبئة الصحون بتلك الحبوب المنتفخة الّلذيذة بإضافة إمّا الملح أو السكّر عليها، وكان الصعود إلى السطح عبر السلّم الخشبي بمثابة المغامرة نظراً لارتفاع بيوت القرى، حيث يتم السباق لعملية الصعود وتحريك الحنطة وتهويتها، والمهم جداً ضرورة صناعة الناطور، وهو عبارة عن هيكل من الأخشاب يتم إلباسه ثياب رجل وتثبيته بوضعية الجلوس أو الوقوف ووضع الشماخ على الرأس فيبدو شبيه الإنسان بهدف إبعاد الطيور عن الحبوب، حيث كان شكله يدبّ الرّعب في قلوبنا ليلاً مع علمنا بوجوده على السطح خاصة عندما تتحرك أطرافه بفعل الهواء، وبعد عدّة أيام من التشميس والتهوية تبدأ عمليات تنقية الحبوب من الطفيليات الأخرى والحصى، ثم عملية الطحن اليدوي عبر الرّحى أو آلياً عبر جاروشة الجرار الذي يستهدف محاصيل جميع المزارعين ممن يقومون بهذه الطقوس القروية، وتعدّ هذه العملية أوسع وأكبر عمليات تحضير المؤونة بالنظر إلى تحضير المربيات والملوخية والمكابيس وتشميس البندورة وخضراوات أخرى، وجميعها سيكون سطح المنزل ميدانها الأوحد، النظيف الذي يتحمّل كافة أشكال التعقيم الطبيعي سواء برودة الطقس أم حرارته العالية، حيث سيكون بيئة ملائمة وصحية لما سيتم تناوله بالشتاء.
سليمان حسين