العدد: 9324
1-4-2019
لا لشراء أوراق اليانصيب، قرار اعتمدته، ودافعت عنه بقوة لسنوات طوال والسبب ربما، لأنني عايشت صديقة لي لا يمرّ أسبوع إلا وتشتري ورقة يانصيب، أو أكثر، وتنتظر على أحرّ من الجمر مساء كل ثلاثاء، وتخسر..
في كل أسبوع كنت أعيش معها الحلم والصدمة، وتعيد ما تعوَدت فعله مع الأمل الممزوج بالأحلام والآمال..
بعد هذه الحرب وبعد كل ما جرى وتغيَر العادات، ما تزال أوراق اليانصيب موجودة، وباعتها يتنقلون في الشوارع وبين البيوت ويقفون على الأرصفة، وفي الزوايا بانتظار أصحاب الأحلام السعيدة وما أكثرهم!
قد يتوقع المرء اليوم ضعف الايمان والأمل بالغد، لكن قوة الحياة ، وربما الحاجة، تعيد رسم مستقبل من أحلام لا يزكيها وينعشها إلا ورقة يانصيب معرض دمشق الدولي، التي قد تصيب..
في طريقي اليومي أمام البحر.. أراه، رجلاً عجوزاً يرتدي سترة بسيطة مرقعة لا يبدلها صيفاً ولا شتاءً، يحمل بيده رزمة من ورق اليانصيب يبيعها للحالمين، يمضي في طريقه بصبر وأناة بانتظار تصريف ما لديه حتى آخر ورقة، ويمرّ بالمقاهي الشعبية طبعاً، وأمام الطاولات التي يتغاضى أصحابها، فلا يمنعون عنه رزقه ولا يبعدونه عن أرزاقهم.
في يوم عاصف وماطر بشدة، رأيته مبللاً بالمطر، واقفاً كتمثال، غير عابئ ببرد أو ريح، منظر لم يرحل من عقلي وقلبي الذي غضب مني وأنَبني مراراً..
أيام وأنا أعاتب نفسي، كيف لم أشترِ من ذاك البائع الفقير حتى لو خسرت؟ وأقول ساخرة: طبعاً سأخسر، فالكتب تقرأ من عناوينها..
بعد أسبوع.. صادفته وحيداً على الشاطئ المظلم البارد المهجور، وكان قبل يوم فقط مزدحماً صارخاً ضاحكاً غاضباً وسعيداً..
كنت المتجولة الوحيدة هناك، خرج بائع الحظ المسكين من العتمة أمامي كشبح، ووقف ماداً يده بصمت، كعادته.. اشتريت ورقة ودفعت ما طلب، وعند أول شعاع نور لضوء عمود يعمل على الطاقة الشمسية، في شارع يتفرع عن الكورنيش البحري المظلم، حظ سكانه كبير!
هناك نظرت إلى الورقة، لأقرأ أرقامها، وأعالجها بثقة العارف، معتمدة على دراسة كنت اطلعت عليها عن الأرقام ومدلولاتها، أول ما رأيت كان سعر الورقة، وبالخط العريض 800 ليرة سورية، بينما أخذ البائع (المسكين) الألف ليرة ثمناً لها.
لم أغضب من الرجل ولا من غبائي في شراء ورقة لا بد خاسرة بعد هذا الدرس وقبله، (إن الله لا يظلم عباده الصالحين) هكذا قلت لقلبي الذي لا يتعلم أبداً، وهكذا:
مبارك للرابحين، وحظ أوفر في لقاء آخر، كما تقول مذيعة كببغاء أمام دواليب الهواء، وأطفال يلعبون بها بثقة..
عند أول بائع يانصيب مررت به، سألته: كيف تحصلون على بضاعتكم، وما نسبة الربح التي تحصلون عليها كباعة؟
قال بلطف شديد: نأخذ من البريد مائة ورقة في الأسبوع، ونسبة ربحنا 11 بالمئة ما يعني أننا نربح ببيع الورقة الواحدة 88 ليرة.
هل تكفيك هذه الأموال لتعيش؟
أجاب البائع الشاب بألم وهو يهز رأسه مستغرباً السؤال: طبعاً لا .. لكنني أشتري من بائع آخر عدداً من الأوراق حيث تنزل قيمة الربح لدي لثلاثين ليرة..
* آخر.. عرفت صدفة أنه كان بائعاً لليانصيب، قال إنه ترك بيع أوراق اليانصيب رغم أنه يملك رخصة، وأنه أجَر رخصته لرجل آخر يأخذ منه سنوياً مائتي ألف ليرة، وقد استغنى عن هذا العمل المذَل والمتعب كمن يستجدي المارة، ويستعطف، وبحث عن عمل آخر، معتبراً أن ما يصله من تأجير الرخصة سنداً وقوة أول كل سنة.
* بائعة يانصيب في الأربعينات من العمر كما يبدو، تبيع أوراقها برصانة وتمضي بنشاط في حديقة عامة، حين سألتها عن متاعب العمل قالت: الحياة صعبة، وهي بحاجة للعمل، ولا تعاني من مضايقات أو لا تكترث لبعض المضايقات من بعض المارة، فالناس الطيبون والمحترمون أكثر بكثير، والحاجة السبب الأول لعملها حيث لم تجد ما تعمله.
في صافيتا فقط …
مصدر رسمي في بريد طرطوس أكد إعطاء 186 رخصة بيع يانصيب، منها 11 رخصة بأسماء نساء، وهذا ليس دليلاً على أن النساء هن البائعات، حيث يأخذ الرجل الرخصة باسم زوجته، ويكون هو البائع لأسبابه الخاصة..
وقال: يأخذ كل بائع يانصيب 100 ورقة أسبوعياً، وللمحدثين في هذا العمل 50 ورقة فقط ، وهناك أشخاص لديهم رخص للبيع يبيعون أوراقهم لآخرين، ولا يعملون كباعة يانصيب.
وقال المصدر أن منطقة صافيتا هي المكان الوحيد في سورية الذي تباع فيه ورق اليانصيب خارج مراكز المدن حيث يباع فيها أسبوعياً 4600 ورقة يانصيب بينما يصل عدد بيع الأوراق في مدينة طرطوس في الأسبوع الواحد إلى 29 ألف ومئتين ورقة، وأنه لم تتوقف مبيعات اليانصيب خلال الأزمة ولا ليوم واحد.
وأضاف: من يعمل بهذه المهنة هم غالباً من الفقراء الذين لا يجدون عملاً.
حاجة أم عادة أم إدمان؟
في كل أسبوع هناك رابح للجائزة الكبرى، ورابحون حتى الوصول إلى ربح ثمنها وأقل، وهي مستمرة استمرار الأمل في النفوس حتى في أغنى دول العالم حيث تتحول لدى البعض الى لعبة وتسلية أو عادة وادمان.
سعاد سليمان