الرقيق التقني…

الوحدة :6-7-2022

حروب المستقبل في الغرب يقضون سنوات طويلة، وهم يبحثون ويجرون الدراسات والتجارب فكرياً ونفسياً وسلوكياً لإيجاد الأسباب الكفيلة بالسيطرة على تفكير الأفراد وجعلهم مطية لتنفيذ أغراضهم،ومن الحقائق المرعبة والمعلومات الصادمة هندسة الإنسان وبرمجته عصبياً والتلاعب بفكره ووعيه وحقنه بأفكار مصححة بحثياً واصطناعياً وإصابته بشلل ذهني مؤقت لفقدان القدرة على التحليل والتمييز بين الخير والشر والسيطرة على تصرفاته وقيادته لتنفيذ ما يطلب منه وتحويل الكذب إلى حقيقة تفعل فعلها في أعصاب ونفوس الجماهير. ذكاء الإنسان محسوب عليه ويرتد إليه, البشرية وصلت إلى حضارتها الحالية بفضل نمو دماغ الإنسان والمعلوماتية صارت الآن الأساس في صناعة الحياة الخاصة والعامة للمجتمعات الإنسانية ودورها الكبير وتوظيفاتها في حياة الناس وشؤونهم. ذكاء اصطناعي شرير يهدد العرق البشري بمستقبل قاتم على البشرية والكون سيظهر خلالها سلالات ليست بشرية ولا آلية، وإنما ( الرقيق التقني)،الذي لابد أن يسيطر على العالم بعد تكاثره وتمرده على الحضارة التي أنتجته، وسيتحول الإنسان إلى آلة مبرمجة لا تميز بين الطيبة والقسوة وبين سوء النية أو حسنها.

الكثير من الأدباء حذروا من الأخطار التي ستتعرض لها البشرية من خلال انعدام القيم والمبادئ التي تختفي تدريجياً وتحل محلها التكنولوجيا الشيطانية والعالم الصناعي الموبوء, تطور تكنولوجي مذهل في شتى مجالات الحياة بينما بقي الإنسان يراوح في بدائيته, حيث حولت الثورة التقنية البشر إلى أرقام وآلات وكائنات آلية, تطور متسارع حطم عقله وفكره وأخلاقه وعاطفته وأهلك وعيه بوجوده وهواه ومشاعره وصار كسب المال هو كل شيء, عالم يولد أطفاله من رحم التجارب عبر أنابيب أطلقت أجيالاً لا تنبض ولا تشعر ولا تفكر ولا تتحاور ولا تتجاور إلا كما برمجتها وأدرجتها آلات التفريخ.

المارد التقني يمسك بخبث بخناق وتلابيب الأرض وصارت الإنسانية كالزورق العائم فوق أمواج ثائرة وعواصف هائجة. الغزو التقني اعتداء ممنهج يستهدف البشر وينتهك القيم التي تشكل خصوصية الإنسان ،الثورة التقنية تقود البشرية إلى آفاق مجهولة وتقربهم من لحظة تهور كارثية، طفرة تكنولوجية وثورة رقمية وانتشار مرعب للشبكة العنكبوتية،حيث يشكل الإنترنت إحدى الثمرات الخطرة للعالم المعلوماتي المادي الحديث, ثقافة الكترونية تحولت إلى أداة فعالة تدمر بهدوء، تتجه سراعاً نحو عالم ما زال غامضاً يمشي في نفق مظلم مجهول النهاية. الغزو التقني يستهدف المنظومة القيمية الضامنة لتماسك المجتمعات, عملية استهداف خبيثة تستهدف الجذور لا القشور والقضاء على الجوهر لا الشكل, دخل أدمغة البشر واحتل الجسد واستلب العقل والمشاعر والعواطف وتحكم بالسلوك وتحريكه والسيطرة عليه في عمليات غسيل وراء الكواليس لا تحتاج إلى جهد بدني بل ضغطة من زر ريموت كونترول.

الثورة التقنية احتلت العقل وغسلت الدماغ وسحقت إنسانية الإنسان وتفوقت آلاتها عليه وإذا استمرت هذه العبثية فإن المستقبل لا يبشّر بالخير والنهاية مرعبة للجنس البشري, الحروب القادمة ليست حروب عضلات وآلات عسكرية بل بالفكر وتعميم الذكاء, هذا الجحيم الذي صارت تباشيره تلوح في الأفق.

نعمان حميشة

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار