الوحدة:5-6-2022
لا تستساغ كلمة ( الغيرة ) في كثير من الأحيان لأنها قد تشير إلى نقصان الثقة في الآخر،والمرأة التي تعتمد أسلوب التحقيق مع زوجها في كل صغيرة وكبيرة حول صداقاته ومشاويره ومكالماته ، وتحرص على أن تسأله عن كل ما مر عليه من أحداث في يومه ،إنما هي في الواقع تعاني آفة الشك المدمر .
وتتميز العلاقة الزوجية عن غيرها من العلاقات في أن أساس استمرارها يكون في التفاهم والود المتبادل فأنت ليس بالضرورة في حاجة إلى التفاهم مع قريبك، لكي تبقيه على علاقة قربى بك، لكنك لن تستطيع الاستمرار مع امرأة انقطعت معها كل احتمالات التفاهم وأحد الشروط الأساسية للإبقاء على جذوة الحب مشتعلة بين الزوجين هو عدم وجود الشك أي عدم وجود الغيرة والعلاقة الزوجية من دون غيرة هي كالطعام بلا ملح أي أنه قد يكون نافعاً لكنه ليس مستساغاً ولا لذيذاً.
والغيرة قد تكون وسيلة إلى السعادة إذا ما أرادت الزوجة أن تكون كذلك لكنها قد تكون أداة هدم للأسرة وخراباً للبيت، والمرأة وحدها تمتلك مفتاح هذا الخيار وذاك فماذا يتعين على المرأة أن تفعل لكي تحول الغيرة من عملية هدامة إلى شيء بناء ؟ على المرأة أن تثبت تعقلها وحكمتها عندما تنتصر على لحظات الخطر وتجتاز فترة التوتر الذي ينذر بالانفجار وإذا كانت الغيرة شيئاً ايجابياً فالمطلوب هو الغيرة الخفيفة المعتدلة وليس الغيرة المتشددة.
ثمة سؤال لابد من طرحه إلى أي حد يتحلى الرجل بالصراحة مع أهل بيته ؟ وهل يمكن للصراحة التامة أن تقضي على الغيرة وتشيع أجواء الطمأنينة في نفس الزوجة ؟ تنبع أهمية هذا السؤال من حقيقة أن الرجل يلعب دوراً مهماً في إزكاء نار الغيرة لدى المرأة فمن أصعب الأشياء على الزوجة أن تتكرر دوائر الغموض في حياة زوجها ، لتتحول تلك الدوائر إلى سلسلة تطبق على حياتها وتحرمها الطمأنينة. ليس سهلاً أن تتراكم الأسئلة الحائرة في مخيلة المرأة بشأن سلوكيات زوجها غير المفهومة مكالمات غامضة في أوقات غير مناسبة ، تأخر متكرر من دون تفسير مقنع، إغراق في التأمل والشرود مع ابتسامات لا إرادية موحية بأشياء معينة ما إن تلوح حتى تختفي مؤكدة أن الرجل يعيش ذكريات يحرص على إخفائها عمن حوله، مثل تلك الأمور من شأنها أن تشعل نار الغيرة لدى المرأة وتحيلها إلى إنسان فاقد للتوازن ، ومعرض للقيام بتصرفات غير مدروسة من النوع الذي يحسب ضد صاحبه.
بعض الرجال يجمعون ، لسبب ما ، بين الاستقامة والغموض هؤلاء لديهم مبادئ وأخلاقيات التي تمنعهم من الإتيان بفعل الخيانة أو الاقتراب منه،إلا أنهم يحيطون أنفسهم وأفعالهم بجدار متعمد من الغموض..
يرفض هؤلاء من حيث المبدأ قيام المرأة بسؤال زوجها عن شؤون العمل وأين كان ، وأين سيذهب ومع من كان يتكلم ، ومن كان يتناول العشاء معه….. إلخ.
من وجهة نظر هذا الرجل لايليق بالمرأة أن تلعب دور المحقق وأن تستجوب زوجها في كل صغيرة وكبيرة إنه يرى في ذلك انتقاصاً من رجولته وكرامته …
المشكلة أن الرجل الكتوم والمتحفظ وقليل التعبير عن عواطفه ومشاعره يعمل على إزكاء الغيرة وتعزيزها ، من صميم حق المرأة أن تطمئن أن هذه الصفات في شخصية الزوج لاتنم عن شيء غامض ، كأن تجري الماء من تحتها وهي غافلة أو أن يكون الرجل يوفر عواطفه لامرأة أخرى ، إن إخفاء مشاعره والتحفظ الشديد في الكلام يعني بالنسبة إلى المرأة فتح الاحتمالات على كل ما قد يخطر ولا يخطر بالبال وعندما تدخل تلك الحسابات في المعادلة تصبح المرأة غير معنية كثيراً بكون أسئلتها تمثل تهديداً لرجولة الرجل وكرامته.
هذا إن كان ثمة أرضية أصلاً لمقولات الكرامة والرجولة في مثل هذه الحالات. من حق الزوجة أن تشك في زوجها إذا كان يتعمد الغموض ويعتمده كأسلوب متكرر بل أن من واجبها في الواقع أن تتسلح بالشك وتضرب أخماساً في أسداس عندما تكون أسرتها وعلاقتها الزوجية على المحك وهي ليست مخطئة أبداً في أسئلتها الحثيثة ومحاولاتها لكشف جوانب الغموض في حياة الزوج إلا أن أسلوب تلك الأسئلة مهم لتحديد مدى ما تتمتع به المرأة من حق.
لمي معروف