سورية يا حبيبتي

الوحدة:5-6-2022

خلال رياضة المساء اليومية حيث يمشي على طول الكورنيش البحري، سقط الرجل العجوز فوق رصيف منتصف الشارع ، حيث كان الليل معتماً جداً بعد أن تخلت عنه الطاقة الكهربائية ، وحتى إشعار آخر.

أما سبب السقوط : وجود بقايا معادن ملتصقة بالرصيف كانت أساساً للوحة إعلانية ربما، ذهبت اللوحة وبقي الأساس المزروع بإتقان ، وبأكثر من مكان على الكورنيش البحري هناك حيث الازدحام.

في الليل البهيم ، لا إنارة تذكر في الشوارع إلا من سيارات تمر، أو من تسرب أنوار المقاهي المنتشرة.

إذ تمر خمس ساعات متتاليات ليأتي النور ساعة كافية لتعيد بعضاً من أمل في نفوس الطامعين بحياة أفضل.

حلم خجول .. لا أكثر .. وأمل بأعمدة من طاقة الشمس المنيرة بقوة على ساحل حار ، ومرغوب في كل أيام السنة ..

حلم رحل مع تجربة جميلة لم تطل مدتها، واختفت دون إنذار , وبأيدي مخربين , أو لصوص كما قيل ..

حين سقط الرجل , وفي محاولة لتخفيف الصدمة القاسية وضع يده أمامه , سداً بينه وبين الرصيف.فأخذت اليد تؤلمه بشدة،وقد أصابها الورم للتو ..

ولأنه في العتمة .. وكطفل صغير .. بكى بحرقة حيث لا أحد بجانبه في تلك اللحظة، ولن يراه أحد ..

هكذا توقع .. لكنه خجل , وبشدة حين التف العديد من المارة حوله كالسحر، يحاولون المساعدة ، بائع الفول الشاب اللطيف الذي قطع الشارع بسرعة البرق عند مرور سيارة أضاءت المشهد , حاملاً بيده الماء، ومقدماً ساعده لينهض الرجل عن الأرض. سيدات أسرعن إلى المكان لتقديم العون ما أمكن .. وشباب .. حتى أن إيصاله إلى مشفى الباسل كان تقدمة .. وبإصرار , وبقوة ..وبالإكراه .. فهو لا يريد أن يترك الرصيف، أو يقف على قدميه، وقد خذلتاه .. هكذا تصور !! في مشفى الباسل بطرطوس .. وفي قسم الاسعاف ..النظافة عنوان .. الهدوء، التعامل الإنساني اللطيف .. إسعاف المصاب أولاً هو الأهم بالنسبة للكادر الموجود ..

قدم الطاقم الطبي الموجود هناك كل ما يلزم الرجل من تصوير ،وفحص وإرشادات بكل محبة ، ولطف شديدين .. لم يدفع الرجل قرشاً واحداً حتى أجرة من أوصله إلى المشفى .. حيث قدمها له جاره الطيب حين عرف بحاله … تلك صورة من واقعنا،وليست خيالية ..

صورة من مجتمعنا الذي هزته النكبات، وأثقلت كاهله الحرب ،ونتائجها خلال العشر سنوات التي مضت .. يقول مغترب حين عرف بحكاية العجوز : إنه وهو قادم إلى سورية عن طريق مطار لبنان ،ولأسباب صحية مفاجئة .. اضطر لمحاولة دخول إلى مشفى في بيروت بشكل إسعافي ،حيث يمر مرور الكرام عبر الأراضي اللبنانية ليصل إلى بلده سورية .. يقول: إنه لم يستطع الدخول إلى المشفى , وهو المغترب , وأحواله المادية لا بأس بها .. وذلك لأن الشروط التي وضعت لدخوله من دفوعات مالية ، وبالدولار أيقظت في نفسه مشاعر القوة , والرفض، وجعلته يصمد ريثما يصل إلى بلده الأول سورية وهو يتألم , وقد شعر بالمواطن اللبناني الفقير الذي لا يستطيع معالجة نفسه لو احتاج للمعالجة.

وكان يردد في سره بعد أن وصل أولاً إلى المشفى الحكومي، ليطمئن على صحته من خلال التحاليل الضرورية , وغيرها من إجراءات هامة، وبكل ثقة : سورية يا حبيبتي.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار