الوحدة : 17-4-2022
جلتْ فرنسا وما في الدار هضّام… الهضّام من الفعل (هضم)، والمقصود هنا من يهضم الحقوق، وكان المعنيّ هو الانتداب الفرنسي.. اليوم، وبعد نحو ثمانية عقود على خروج آخر جندي فرنسي من سورية، أين نقف، وهل يوجد (هضّام) جديد؟ أولاً لنبارك لأنفسنا ولوطننا ذكرى عيد الجلاء، هذه الذكرى هي العيد الأغلى على قلوب كلّ السوريين.. اختُبرنا مرّات ومرّات، وكنّا، نحن السوريين، في كلّ مرّة سوريين بامتياز، لا أحد منّا يقبل المساومة على انتمائه الوطني.. توجّعنا كثيراً، ودفعنا ثمن هذا الموقف أضعافاً مضاعفة، ولم نشكُ، لقناعتنا أنّ (العدو) لن يتركنا وشأننا، ولن يرتاح إن تنعّمنا باستقلالنا من تبعيتنا له، وهذا ما جعلنا لسنوات نتفاخر بالتضحيات التي نقدّمها، ولم نتغيّر، ولن نتغيّر طالما العدو عدوّ! قالت لنا الأفلام، والمسلسلات أنّ التجّار وأصحاب الأموال تخلّوا خلال دفاع بلدنا عن حقوقه عن كلّ شيء من أجل الوطن، ووضعوا كلّ إمكانياتهم لصون استقلاله والدفاع عن أبنائه ومساعدة الذين يحملون السلاح بوجه (العدو).. هنا يجب أن نقرأ المشهد الحالي بهدوء، وأن نجيد الفرز، حتى لا تورّطنا المصطلحات، وتوجعنا الاستنتاجات.. لن نعمم، ولكن نقول ونحن مرتاحو الضمير إن عدداً ليس قليلاً من أصحاب رؤوس الأموال، عمل في حربنا الحالية على الإرهاب عكس ما قاله التاريخ، وسحبوا من جيوبنا كلّ قرش أبيض كنّا قد خبّأناه لليوم الأسود، بل إنهم فعلوا أكثر من هذا، فهل سيفضحهم التاريخ ويلعنهم؟ يستطيعون أن يسرقوا أي شيء، لكنهم لا يستطيعون أن يجرّدونا من انتمائنا لبلدنا، واستعدادنا للموت في سبيله، ولتحرق جهنّم ما جمعوا من مال على حسابنا.. عيد الجلاء صرخة وطنية قوية بوجه كلّ من يظنّ أن الوطن حانوت له، أو جسر عبور لأحلامه الشيطانية.. الوطن لنا، نحن أولاده الذين نعرف قيمته، حتى لو نمنا دون عشاء… الوطن لنا، ولن يكون لغيرنا، ولن ننتظر غيرنا أن يدافع عنه، قدّمنا أولادنا، ولم تتوقف قوافل الشهداء حتى هذه اللحظة، والأمل أن تُقطع أيادي العابثين فيه، ويجتث الفساد من جذوره. الوطن قصيدتنا الأجمل، وبيتنا الآمن، وسقف أحلامنا، ومظلّة أولادنا، والصديق الذي نبثّه كلّ أوجاعنا.. الوطن هو خوفنا على أولادنا، رغبتنا أن يكونوا أفضل منّا، وأن يزهر فيهم ومعهم جيلاً يستحق أن يمتلك مفاتيح المستقبل.
غانم محمد