“بدوي الجبل” .. متنبي القرن العشرين

الوحدة: 31- 3- 2022

 

 “سأموت هنا في أرض الشام ، فمهما حدث لي في وطني أحن علي من جنة الغرباء ” .

إنه الشاعر الكبير محمد سليمان الأحمد المعروف ب / بدوي الجبل/ …وبجملته الشهيرة هذه ابتدأ المحامي الشاعر والمحقق الباحث معتز البرازي محاضرته في المركز الثقافي بطرطوس بعنوان ” بدوي الجبل …متنبي القرن العشرين ” مضيئاً على روح الشاعر الكبير والنائب والوزير الذي شغلته دمشق فأحبها أكثر من أي مكان في الكون ، وعلى أرضها أسند محمد سليمان الأحمد رأسه مودعاً بعد معاناة طويلة مع المرض يوم ١٨ / ٨ / ١٩٨٣ …

لقد واءم الشاعر بين القديم والحديث ، فكان أول المحدثين وآخر القدماء ، ووصف على أنه ” ذاكرة الأمة والوطن ” …وفي حراكه الأدبي والسياسي والفكري كان شاعر العروبة مالئ الدنيا وشاغل الناس، فأطلق عليه لقب متنبي القرن العشرين ، وساعدته فصاحته وقوة تعابيره على ترسيخ اسمه كواحد من أبرز أعلام الشعر الكلاسيكي العربي في العصر الحديث …مما حدا بالشاعر الكبير نزار قباني للقول إنه “السيف اليماني الوحيد المعلق على جدار الشعر العربي “.

أما الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري فقد قال: إنه” أكبر شاعر عرف في هذا العصر ” … الشاعرة هند هارون وصفته بالشاعر الإنسان، الحرف قبلته والفكر معبده … حتى أن الشاعر الفرنسي الشهير قال بشعره عن الأحمد: إنه ” يمضي محلقاً في الأعالي كالنورس …لايستطيع المشي على الأرض .” …

 

أخذ بدوي الحبل في سن مبكرة علوم اللغة والأدب عن والده العلامة الشيخ سليمان الأحمد – وهو من مؤسسي المجمع العلمي العربي في دمشق ، وأحد قادة التغيير الاجتماعي والديني والتنويري في الساحل السوري – ودفعه حماسه للانضمام للوفد الذي أرسله الملك فيصل إلى الشيخ صالح العلي الذي كان يقود ثورة ضد الانتداب الفرنسي في الساحل السوري إلا أن الزيارة هذه وضعت اسم شاعر العروبة على القائمة السوداء لسلطات الانتداب وهنا خاض رحلة هروب من الاعتقال متجهاً نحو ” حماة ” إلى أن استدل عليه الفرنسيون وألقوه في السجن …

في المقابل لم تثنه تجربة السجن عن الاستمرار في خوض المعارك ضد الانتداب بأشكاله فأعلن رفضه قرار تقسيم سورية إلى دويلات، فعاد الفرنسيون لملاحقته مااضطره للتوجه نحو العراق عام ١٩٣٩ مناصرا فيها ثورة ” رشيد الكيلاني ” سنة ١٩٤١ .. في الخمسينيات تولى الأحمد حقائب وزارية إضافة إلى انتخابه عدة مرات في البرلمان السوري ، واستمر الشعر يتدفق من قلم بدوي الجبل حتى يوم وفاته عام ١٩٨١ تاركاً إرثاً شعرياً واسعاً ، وقد تركزت أعماله حول القضايا الوطنية ، والأحداث التي كانت تمر بها البلاد وعايشها ، وكان فاعلاً فيها .

يقول في إحدى قصائده داعياً إلى تحكيم العقل والحكمة : للعبقرية قسوة لولا الهوى عصفت بكل عقيدة وصلاح الدهر ملك العبقرية وحدها ولاملك جياد ولا سفاح محمد سليمان الأحمد “بدوي الجبل ” رحل بجسده وملأ الدنيا شعراً قل نظيره … وقد أنصفه أكبر الشعراء بوصفه، ولاسيما وصف الشاعر نزار قباني حين قال عنه : ” السيف اليماني الوحيد المعلق على جدار الشعر العربي ، في حنجرته ألف لبيد ، وألف شريف رضي ، وألف أبي تمام ….” شعره يطلع من أعماق نفس القائل ليرتد إلى أعماق نفس السامع ، لا ليروي طريفاً ، أو يثير انفعالاً بل ليستقر ويحفظ بعد الإلقاءة الأولى …كل هذا في أناقة مترفة …

 نعمى كلتوم

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار