الوحدة 28-3-2022
برعاية الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة وبالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا، المسرح القومي باللاذقية أقام احتفاليته السنوية على مسرح دار الأسد أمس الأحد الواقع في ٢٧ آذار، بحضور أ. مجد صارم مدير الثقافة باللاذقية و د. محمد بصل رئيس اتحاد الكتاب العرب ولفيف من الفنانين والمسرحيين وحضور جماهيري، العروض المسرحية ستقدم على مدار ثلاثة أيام ، كان أولها العرض المسرحي ( احتفالية المسرح العالمي 2022) من تأليف وإخراج كمال قرحالي، الذي بدأ الاحتفالية بكلمة موجزة عن دور المسرح المحلي والعالمي وأهميته، واستعرض لمحات من النشاط المسرحيّ السوريّ كما عقب على عمله المسرحي الحالي وعكسه لجوانب مهمة من الحياة على المستوى الدولي والمحلي، تلاها كلمة المسرحي العالمي ” بيتر سيلرز” والتي كان سيلقيها نقيب الفنانين حسين عباس الذي تعذر حضوره لأسباب صحية، قام بإلقائها نيابة عنه الفنان سليمان شريبة قال فيها في مقتطفات:” لأن عالمنا معلّق بالساعة والدقيقة على موجز الأخبار وكأنه يتم تعذيبنا بالتنقيط، أدعوكم جميعاً كمبدعين للدخول في نطاقنا ومجالنا المسرحي السليمين، فنحن نعيش فترة ملحمية من تاريخ البشرية، نتج عنها متغيرات عميقة في علاقات البشر مع بعضهم ومع أنفسهم ومع العوامل غير البشرية أيضاً، تغيرات تكاد تتجاوز قدرتنا على الفهم والتعبير والتحدث عنها” . وفي مقطع آخر:” المسرح هو خلق تلك المساحة على الأرض التي يكون فيها الكل متساوياً، إن فضاء المساواة والاستماع بعمق مضاء بجمال خفي ونابض بالحياة من خلال التفاعل العميق والحكمة والعمل الدؤوب والصبر إلى أقصى حدود.” ويختتم قائلاً :” حان الوقت للانتعاش العميق لعقولنا، لحواسنا، لخيالنا، لمستقبلنا، ولا يمكن القيام بهذا الانتعاش بشكل فردي ومن قبل أشخاص معزولين ويعملون بمفردهم، بل من خلال العمل معاً وسوية، والمسرح هو الداعي لنا للقيام بهذا العمل معا لأنه فن جماعي مركب، المسرح أبو الفنون وفن الجماعة” .
ثم كانت بداية العروض ، مع العرض الأول الذي تضمن مقتطفات ومشاهد من الحياة من أغلب جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعاطفية ، المقتطفات عبارة عن ” اسكتشات” ومشاهد. تضمنت مفاهيم عديدة من الحياة والعالم الذي نعيش فيه كالخير والشر والحرية والزمن بتجلياته والعالم الرقمي والديموقراطية المتأرجحة، والعواطف المختلفة التي تسكن الإنسان كالحبّ والكره.
عن هذه الاحتفالية وأهمية دور المسرح كان لنا حوارات جانبية بدأناها مع مؤلف ومخرج العرض الأول كمال فرحالي .
كان العرض اليوم يكتسب اللون الأسود كخلفية وديكور وملابس مع الإضاءة الخافتة جداً، لماذا ارتدى المسرح هذا اللون في احتفاليته؟
لاشك أن الحرب تركت ظلالها الكئيبة خلال هذه السنوات الماضية، وكل العالم يعرف كم عانى الشعب السوري، ولكن من هذه الكآبة والسواد سأقول كما يقال: إننا كطائر الفينيق سنبعث من تحت الرماد وننهض من جديد، وهذا العرض تأكيد على ذلك بما قدمناه بإمكانيات متواضعة وميزانيات صعبة جداً وبحصار اقتصادي صعب وضاغط على سورية، هذا ليس نهاية بل هو بداية لكل ما هو حيّ وجميل، وبالأمل نعيش كما يقول المسرحي سعد الله ونوس، من هنا كانت فكرة هذا العرض اليوم.
ما قدّم اليوم هو مشاهد مختلفة بمدلولات عميقة، كيف تقيم وترى عرض اليوم من منظور ذاتي وفني؟
ما قدمناه اليوم في هذه الاحتفالية هو حلم قديم عمره سنوات طويلة، وكنا قبل الحرب نعد لهذا النوع من الطروحات وكنا نطمح لنقدم احتفاليات مسرحية وليس عروضاً مسرحية، وتحقق هذا الحلم بعد هذه السنوات وفي هذه الظروف المؤلمة التي مرت على سورية، ربما خسرنا كرنفالات ومهرجانات ضخمة كمهرجان المحبة، لكن مازالت خشبة المسرح تنبض بالحياة رغم الضغوط التي نعاني منها، وأنا راض اليوم عما قدمناه لأننا بنيناه كلمة كلمة ويداً بيد مع كادر مسرحي متميز وأيادٍ قامت بجهود جبارة خلف الكواليس، لنقدم مقولتنا في اليوم الذي يحتفل به المسرح العالمي بيومه، ولنكون حاضرين ومتواجدين على خشبتنا كسوريين و كأناس في هذا العالم.
د. محمد بصل : في يوم المسرح العالمي كيف يمكن أن تتوافق خشبة مسرحنا مع الواقع السوري الصعب، وكيف تتشابه الخشبتان خشبة المسرح وخشبة الحياة؟
ما يحدث في هذا العالم حالياً رهيب ويمكن أن أقول: إنه إرهاب على إنسان. هذا العصر الذي نعيش فيه أزمات من أخطر أنواع الأزمات، تلك الازدحامات على مستوى القوى الكبرى ومناطق النفوذ الجديدة التي تتموضع والوضع الاقتصادي الخانق الذي تدفع ثمنه البلدان الفقيرة والتداعيات المهولة التي تضرب عمق الدول، كل ذلك يمكن أن أصفه بالجنون، وهنا أحب أن أذكر أن مسرحيتي الجديدة تعكس هذا الواقع الذي يعيشه إنسان هذا العصر، فالمسرح يعتبر المرآة التي يمكن أن نقف قبالتها ويمكن أن نكتشف ذواتنا أمامها، المسرح يقدم شخصيات الحياة برمتها وعالمها ويقدم الحلول. في مقاربة بين المسرح السوري والعالمي فيما يقدم قال لنا د. بصل:” المسرح السوري يعاني من أزمات كما يعاني الإنسان السوري من أزمات وهذا ينعكس على مختلف المجالات والتي منها المسرح، نحتاج إلى ورشات عمل جادة فاعلة تساهم في بناء حقيقي للثقافة وليس إلى شعارات وهذا يحتاج إلى دعم مادي فاعل يساهم في إحداث البيئة الصحيحة لتقديم القيمة الفكرية الفعلية، لذلك فالمسرح في كل العالم ليس بخير، لأننا أمام الحضارة الرقمية وعملقة الصورة على حساب البلاغات اللغوية الأخرى والمسرح هو عمل يدوي لا يندرج تحت بنود الأتمتة ولذلك يعاني ما يعانيه، لكن مع كل ذلك هو موجود ومازال يقدم على خشبته، ويحتفل بيومه في كل العالم في ٢٧ آذار من كل عام.
اللقاء الأخير مع الفنان والمسرحي سليمان شريبة عندما سألناه عن المسرح وكيف تتم المقاربة بين الواقع وخشبته قال لنا :” كل عام والمسرح والمسرحيين بألف خير، كلمة المسرح كتبها هذا العام المسرحي الأميركي “بيتر سيلرز” وهذا يدل على أن السياسة تفرقنا لكن المسرح يجمعنا، كلمة المسرح تؤكد دائماً على روح الجماعة وإذا لم نتكاتف ونتعامل بشكل جماعي لن تحل مشاكل مشاكلنا، فسيطرة الواقع الرقمي على العالم خلق حالة من التقوقع الذاتي والعام، ولذلك فالمسرح هو دعوة لإنعاش الروح الجماعية، وما قدمه اليوم زميلنا كمال قرحالي يطرح فيها مفاهيم الحياة من الحرية والعدالة والديمقراطية والسلام والخير والشر وقيمة الحياة والزمن من السجن الانفرادي الروحي الذي يفرض بشكل ذاتي أو خارجي، وليختتم عرضه بالأغنية العربية المعبّرة لزكي ناصيف، لأنه ومهما طرأ علينا وعلى بلداننا العربية سوف نعود ونعمر هذه البلدان بالمحبة وبالعزيمة التي لن تخبو”.
سلمى حلوم