الوحدة: 27-3-2022
الكتابة فن و متعة، منها يستمد المرء الكثير من الفهم و التبصر لمواجهة حياته.
فكيف إذا كانت الكاتبة تنشر رسالة تعليمية و أدبية ،و حريصة على رفد المجتمع بكوادر فعالة؟
إنها الأديبة و الدكتورة “غيثاء علي قادرة” أستاذ الأدب الجاهلي في قسم اللغة العربية بجامعة تشرين ،عضو اتحاد الكتاب العرب مدير وحدة ضمان الجودة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة تشرين من مؤلفاتها: ( لغة الجسد في أشعار الصعاليك) و (جدلية الوجود والعدم في الشعر القديم) وكتاب نقدي ثالث قيد الإصدار. لها عشرات الأبحاث الأكاديمية المنشورة في دوريات عربية ومحلية ولها مشاركات عدة في مؤتمرات دولية وعربية ومحلية؛ مشاركة في أمسيات شعرية عدة عربياً ومحلياً.
“الوحدة” التقتها و معها كان حوارنا الآتي:
*كيف تنظرين إلى الشعر ودوره في دفع الحركة الأدبية وتأثيره في المجتمع؟
تنطلق علاقة الأدب بالمجتمع من وعي الأديب لما يجري حوله وقدرته على ربط الماضي بالحاضر وكشفه وترسيخه لقيم الخير .
فالأديب صاحب رسالة، تتطلب منه زاداً ثقافياً وفكرياً يُغني تجربته ويعمق رؤيته للمجتمع والإنسان ولا نفهم علاقة الأديب بمجتمعه أنها انخراط بمشاكل المجتمع، بل إحساس صادق مفعم بالحب والغيرة والرغبة في تطوّر مجتمعه، فعلاقة الأديب بمجتمعه علاقة تفاعليّة يتأثر بالمجتمع وأحداثه ويتأثر بالوسط الاجتماعي ويتفاعل معه مما يزيد انتماءه وإحساسه.
و الأديب هو الذي يصهر عواطفه جميعَها في بوتقة الناس وحاجاتهم، فينفذ إلى أغوار مشكلاتهم فيصدق في الإحساس وفي التعبير عنها والمشاركة في إيجاد حلول لها .
الأدباء رسُل المجتمع، وهداة البشر بما يملكون من قدرات ومواهب. بل هم زُرَّاع قيم نتوخّاها، ونسعى إلى تحقيقها.
أما الشعر فيتبوأ مكانة عالية في حياتنا نحن العرب بوصفه الوسيلة الأدبية الأكثر تأثيراً في الذات المتذوقة لجماليات الحرف والمعنى , وقد حظي الشعر بقبول اجتماعي لسرعته في التأثير بالوجدان ولكونه أقرب الأساليب العربية إلى الصدق وأوفاها بحمل التجارب الإنسانية واختزالها.
الشعر الجيد هو الشعر الذي يحمل فكرة ومعنى في صورة , وصورة عابقة بمضمراتها ودلالاتها التي قد تشبع في ذات المتلقي حاجة نفسية وجودية وإن كانت آنية.
* يقال إن أعذب الشعر أكذبه, والكذب هنا بمعنى التضخم الخيالي مادور الخيال في قصائدك؟
الخيال في الصور يخاطب فينا الطفولةَ الخالدة في أعماقنا، تلك الطفولة التي تبث الحياةَ في الجمادات والمعاني، وتتلذذ بمخاطبة الأشياء من حولها، وخضوعها لِما تريد.
إنَّ عالمَ الخيالِ هوَ المَصدرُ الأساسُ لِلجَمالِ، وهوَ ما سَعى إليهِ الإنسانُ بِصُورةٍ عامَّةٍ، والشَّاعرُ بصورةٍ خاصَّةٍ للوُصولِ إلى الإحساسِ بالجمالِ .
إنَّ الصُّورةَ الفنيِّةَ هِيَ الوَسيلةُ في نقلِ التَّجربةِ الشُّعوريَّةِ وَما فِيها مِنْ فكرٍ أوْ عَاطفةٍ، وَكُلَّما كانتِ الصُّورةُ أكثرَ ارتباطاً بالتَّجربَةِ وَالشُّعورِ، كانتْ أكثرَ عُمقاً وَصِدقاً وإيحاءً، وأَرقى فنّاً.
تكمن قيمةَ الخيالِ الشِّعريِّ في فاعليتهِ، بوصْفِه نشاطاً خلَّاقاً يتجاوزُ مُعطياتِ الواقعِ المألوفِ، ليعيدَ تشكيلَهُ في أذهانِنا منْ جديدٍ، بعدَ تحطيمِهِ لِسِلطةِ العُرفِ والتَّقليدِ وَمنطقِ الأشياءِ.
وَمِنْ هُنا نجدُ أنَّ أكثرَ الصُّورِ الشّعريّة تأثيراً في نفوسِنا، هيَ تلكَ الصُّورُ الَّتي تعمدُ إلى إعادةِ تركيبِ الأشياء، في هيئة جديدةٍ، ووفقَ منطقٍ مُغايرٍ.
تتباينُ أيضاً وفقَ مُستوى ثقافةِ القارئِ ولُغةِ التَّوصيلِ الشِّعريِّ، فليسَ كلُّ بساطةٍ مَطلوبةً، ولا كلُّ غموضٍ مَرفوضاً أوْ مَذموماً.
إذْ تبقى العِبرةُ في مَدى صِدقِ التَّجربةِ وبعدِها عنِ الافتعالِ والقَصديَّة.
* متى تشعرين بإحساس مشحون للكتابة؟
خير أنيس في الدروب الكتابة , وليست أية كتابة ,فكم تمر أوقات تتسامى الحاجة فيها إلى – تدوين الأفكار , وشذرات المعرفة ,ورسم عالم المشاعر الدفينة بغية النهوض روحياً ونفسياً .
ففي ظل العالم المشحون بالتوتر, والواقع المأزوم، تبقى الكتابة ملاذنا الوحيد , فهي غذاء الروح , حيث يغدو القلم صديقاً مطواعاً, وجسراً إلى بياض الصفحات التي نلقي على سطورها حمولة أفكار ورؤى, وأنَّات ضيق و ألم, ومساحات أمل.
وإحساسنا بأن نلج سراديب الخيال كبير هروباً من الواقع , عسانا نخلع عن كاهلنا أردية الحياة في منعطفاتها ونرتدي الربيع في خصبه والحياة.
* الحركة الثقافية في ساحلنا وريفه يكتنزها الغنى الإبداعي , فكيف تعللين ذلك؟
جميل هو الحراك الأدبي الذي يعيشه ساحلنا سهلاً وجبلاً؛ إذ ليس خافياً أن لطبيعة المكان أثراً بيِّناً في إنتاج الصورة ومحاكاة الخيال في مختلف ألوان الإبداع الشعري ,ومن جهة أخرى فإن ماشهده الساحل وأبناؤه من ويلات الحرب الأخيرة على سورية , وماسقط فيه من شهداء يعلل المشهدية الثقافية التي باتت جسر عبور إلى عالم التدوين والشفاهة, عالم التأريخ الأدبي للواقع.
فكانت الرواية والقصة والقصيدة والومضة تعكس الواقع في خيال , كانت صوراً حية لحياة مأزومة يسعى أبناؤها إلى النهوض.
وعلى الرغم ممايحمل انتشار المنتديات الثقافية على مساحة الساحل السوري من جمالية إلا أن المأخذ الكبير عليه هو الفوضى والعبثية في توجيه الثقافة والبعد الثقافي فيها, فثمة من لايجيد معنى الثقافة, ولايتمثلها , نراه يقود منتدى أدبياً , ويوزع شهادات الثقافة والأدب على عواهنها,أرجو من القيمين ضبط هذه الأمور ووضعها في إطارها الصحيح.
* كيف تنظر الأديبة الدكتورة غيثاء قادرة إلى الغزو الثقافي قي ظل العولمة , وأثر ذلك في الهوية العربية؟
ليست خافية تلك التهديدات التي تواجه اللغة العربية وأثرها في مستقبل اللسان العربي الذي تاه بدوره بين اللغة العامية، واللغة الأجنبية، بعد أن فقدت اللغةُ ضوابطها، وتراجعت. من هنا نرى أن ثمة أزمة خانقة تمر بها الهوية العربية بوجه عام، واللغة العربية على وجه الخصوص.
* من خلال تدريسك في الجامعة وإشرافك على رسائل الماجستير و الدكتوراه .ما تقييمك لعلاقة هذا الجيل مع اللغة العربية؟
قل وتضاءل – كما ذكرت آنفاً – الاهتمام بفصاحة اللغة وأثرها الكبير في نشر ثقافتنا وفكرنا, لاأخفيك أننا نعاني كثيراُ مع كثير من طلبتنا الذين يعانون فقداً كبيراً لمفاتيح اللغة وفصاحتها والتحدث بها والقراءة التي تصقل ألسنتهم, وهذا هو مخرجات التربية التي هي مدخلات الجامعة, التي نحرص بدورنا على أن تكون مخرجاتها مؤمَّنة لغوياً ؛ فأنا لا أتوانى بتكليف الطلاب بالحفظ للشعر القديم أولاً, لأن بقراءته المستمرة استقامة للسان ووصولاُ إلى الفصاحة لمن يعي ذلك, ثانياً أطلب منهم دائماً قراءة المراجع والالتفات إلى أهمية الفكر فيها والثقافة العربية : “اللغة تنظم تجربة المجتمع”، و تصوغ عالمه وواقعه الحقيقي، وأن: “كل لغة تنطوي على رؤية خاصة للعالم”.
وقد ذهب – سابير وورف – إلى أن اللغة “أساس تشكيل الأفكار، ودليل على النشاط الفكري للفرد”، وإن الأمر ليتجاوز ذلك إلى المجتمع ذاته؛ إذ نجدها الأساس الذي تنبني عليه الهوية الاجتماعية علاوة على الهوية الفردية.
رفيدة يونس أحمد