الوحدة 22-3-2022
حياة أطفال اليوم مربكة ومعقدة ومليئة إلى درجة لا تكاد تصدق وأستطيع أن أجزم بأن طفل اليوم لا وقت لديه للتأمل ، كما هي الحال لدى جيل الآباء : فقد تغيرت أنماط الحياة بشكل ثوري، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، نجد ساعات الدوام المدرسي أطول مما كانت عليه : إذ كان جيلنا مثلاً ينتهي أطول يوم دراسي عنده في تمام الواحدة والربع ظهراً أما الآن، فأقصر يوم دراسي ينتهي في الثانية أو الثالثة.
وساعات بث التلفزيون الآن متواصلة مع وجود مئات القنوات الفضائية ، وأضف إلى ذلك نوعية الألعاب التي من جملتها ما يوجد على شبكة الانترنت ولو زدنا على ذلك الواجبات المدرسية ، لوجدنا أن يوم الطفل ممتلئ إلى درجة التخمة : فهو لا يحس بطفولته ، بل هو مربوط بشدة إلى تلك الأجهزة السحرية المبهرة بما تقدمه من تسالٍ وألعاب ، وإلى جدول دراسي يتم فيه حشو ذهنه الصغير بمعلومات غاية في الدقة والزخم ، فهو بروفيسور صغير يعرف كل شيء عن أي شيء ولايمكن مع هذا الكم الهائل من الإشغال المتعمد والقسري ، أن يشعر بمرحلة الطفولة التي تمر عليه بسرعة البرق.
وفي ذات الوقت نجد أن الأسرة ، وأقصد بها الأبوين ، مسرورة وراضية عن هذا الوضع : فانشغال الأبوين بالعمل أو أي شيء آخر ، يجعلهما مرتاحين لانشغال الطفل عنهما ، ويفاجآن به وقد شب عن الطوق ، لتبدأ بعدها رحلة طويلة من معاناتهما معه ومعاناته هو مع واقعه المتعب .
فالطفل غير محتاج إلى كل ذلك وهو محتاج إلى ما هو أهم من العلم والثقافة والدراسة والمال ، محتاج إلى إكسير الحياة الذي اسمه (الحب )والذي لا يعوضه عنه أي شيء : فإذا عاش الطفل في بيت لا يشعر فيه بحنان الأبوين وعطفهما وعاطفتهما تجاهه أو تجاه بعضهما : فإن ذلك يعد أكبر جريمة يرتكبها أي أبوين في حق أطفالهما.
ولهذا أقول لأي أبوين أحبّا أطفالكما قبل أن توفرا لهم احتياجاتهم الأخرى فالطفل يجب أن يأتي أولاً ، والحب يجب أن يكون الوجبة الرئيسية في الحياة ، والتي إن لم تقدم بسخاء وطوال الوقت للطفل ، فإن خطأً جسيماً سوف يقع فيه الأبوان بحقه وظلماً فادحاً سوف يوقعانه عليه ، سواء جاء هذا الظلم مقصوداً أم جاء بحسن نية وأولى خطوات تصحيح وضع التربية الشاذ في المجتمعات العربية هي في وجود الأبوين في البيت ، وضع الأطفال بشكل صحي.
والأفضل من ذلك هو وجود الأم الدائم في البيت مملكة المرأة الحقيقية. وإذا فرضت ظروف الحياة على الأم أن تعمل ، وعلى الأب أن يطول غيابه خارج المنزل : فيجب ألا يكون على حساب الأطفال الذين هم أعز ما يملك الآباء والأمهات.
فالطفل أولاً والطفل أخيراً.
لمي معروف