ثقافة الجرأة…. بين الأديب الناجح والفاشل

الوحدة 15-3-2022

 

 من باب العلاقة الجدلية بين الكائن والمكونات فإن الكلمة الجريئة الصادقة تقرأ الواقع الراهن بماله وما عليه وتعبر كل البوابات المغلقة لتصل إلى النفوس وتلامس شفاف الروح٠والجريء يملك استقلالية تخوله النأي بنفسه عن جميع الإكراهات وقول الحقيقة التي يجب أن تقال ووصف ما يجب أن يوصف من أحوال وأوحال وأهوال وأشواك الواقع المعاش وإنسانه المسحوق وتقديم تشريح دقيق له بعبارة طازجة مدهشة لدفع القارئ للانغماس أكثر في تفاصيل العمل الأدبي… يقول الأديب الصيني غاو شينغ جيان: (على الكاتب أن يكون قبل أي شيء آخر شاهداً على الطبيعة الإنسانية، فمسؤولية الأديب تكمن في الخضوع لأمر الواقع خارج كل حكم أو قيمة)  . الأديب الجريء ذات تهتم بما لا يقال أكثر من اهتمامها بما يقال، يقول الأفكار الساعية للارتقاء بالإنسان والحياة وطرح كل شاردة وواردة وصوغ الجمل بدون تنميق لتصل إلى جميع الناس، التي تلامس قضايا حساسة وهامة ومؤثرة بعيداً عن هدر المقدرات وإفراغ الهياكل من جدواها، والحديث عن الأحلام المكسورة والأجواء المضللة الضبابية التي تحيط بالواقع والتحذير من المجهول القادم قبل وقوع المحظور. الكاتب جرس يعلن النهوض لمن غلب عليه النعاس يشرع الحرف ويخوض في لجج الواقع يجيد التشريح الدقيق للواقع الصعب ويرفض القوالب الجامدة التي يناور بعض الأدباء في تدوير زواياها ويفتح نفقاً سرياً يغوينا باتباعه، والأدباء الشجعان تحدوهم رغبة الانفلات من إطار الرقيب وقانونه الصارم،ويقولون كلمة الحق ولو كانت النتيجة وبالاً عليهم، يسجل أدبهم جرأة وثورية في فضح الجهل والفساد ويمارسون مسؤوليتهم في تحرير مساحة كبيرة من الممنوعات والسعي لانتشال واقعنا من رداءته وعدميته، يضعون الإصبع حيث يوجد الجرح بعيداً عن المراوغة والثورية بكلمات تثير البهجة والترفيه عن النفس التي يغتالها الملل والصدأ… يقول المفكر الفرنسي كينار: (غياب المثقف الوطني عن المجتمع موت من نوع سيئ لهذا المجتمع). تصبح الجرأة عبئاً على القارئ عندما لا يجيد الكاتب العزف بحرارة ومرارة، والكاتب الفاشل يقول كلاماً يذوب في الهواء وينتثر في الفضاء، يجند جميع طاقاته ويهدر ألفاظاً براقة لا تقدم أي قيمة فنية أو معرفية، ينظر إلى الأمور بمنظاره ذي العين الواحدة والاستقواء بالكذب المتعدد والمتشظي لدعم أقواله المهزوزة .فيبدو معتقل اللسان حبيس العبارة دائم الارتباك والخوف من السقوط  في الفخ الذي يقود نفسه إليه وتصديع رؤوس الآخرين بالهموم الصغيرة. كل فكرة لا تؤسس لفكر خلاق لا يعول عليها ، وإن طرح المشاكل المؤرقة ومناقشتها يوفر الوسيلة للسيطرة عليها والتحكم بها للوصول إلى الحلول السليمة. علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها وأن نقول للأعور: أنت أعور، فما عادت اللغة الدبلوماسية والمفردات الأدبية المنمقة تجدي مع أشخاص لا يعرفون إلا قلة الأدب والآداب وكل حديثهم لغو وهراء وحديث بائد في الصراخ والضائع في الفضاء نه، يغطون ما لديهم من خواء بألعاب لفظية وخداعات المعاني ويصدعون رؤوس الاخرين بمواعظ وتفاهات ليس لها محل من الإعراب.

 نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار