الوحدة: 13-3-2022
صدرت مؤخراً الطبعة الأولى للمجموعة الشعرية ” كأن الجياد عائدة ” للأديبة مفيدة محمد صالح، يقع الكتاب في 143 صفحة من القطع المتوسط.
في البداية يطالعنا العنوان ” كأن الجياد عائدة ” مع مايحمله من معان متعددة وتأويلات ورمزية تستحث الذهن وملكة العقل والذائقة والإحساس الشعري بغية إدراك كنهه. فكأن : حرف مشبه بالفعل يفيد التشبيه أو المشابهة..
والجياد ؟ أهي الأحصنة والأفراس التي تكر وتفر في المعركة؟.
والسؤال : أهي عائدة من المعركة.. أم عائدة إليها عبر الاستفادة من اسم الفاعل عائدة وقد صاغتها الشاعرة نحوياً خبراً مرفوعاً لكأن. . فهل الشاعرة على يقين بأن الجياد عائدة أم أنها تظن أو تتوقع أو تتخيل .. بالتأكيد قصدت الجياد ومن يعتلي صهواتها وهم الفرسان ! دون أن تفصل القول أو تذكر الفرس ومن يعلوه. .فهاهي تستشرف القادم من الأيام بعد انتصارات جيشنا العربية المظفرة؟:
/ لتعود السواقي تغني أفق النسمات / …/ هناك بصيص كرة / رمق متشبث يشهق زهوه / صهيل يقترب كأن الجياد عائدة / ص 90 إنه النصر ..انتصار الوطن والذات الوطنية على الأعداء.
بعد العنوان يستوقفنا الإهداء وقد أسهبت في ذكر المهدى إليهم قائلة :
إلى بلد الياسمين التي وعدت شلوحها أن تبقى معرشة / وأن نقاءها سيظل محمياً بسواعد رجالها الأباة / إلى كل من كان سنداً في دربي …/ فالإهداء يشير بأن الوطن يعيش في ذهن وذات وعبارة وقصائد الشاعرة حتى المقدمة لم تبتعد كثيراً عن الإهداء بل جاءت منسجمة ومتناغمة تقول فيها: حين تصهل فرس الروح / تخرج من سمت الغصة إلى بهجة الأمل …/ تومض كثغور الزنبق في مواسم اخضرار/ تتوهج كجذوة ضوء كانبهار مفعم بالدهشة/ كالحياة تمتشق حلم شاعر يبحث عن واقع جديد/.
تشتمل المجموعة الشعرية على 67 / نصاً شعرياً متفاوت الطول ، وذات مضامين متعددة : الوجداني الغنائي الذاتي، الوطني، القومي، الإنساني، الاجتماعي .هي شاعرة وطنية حتى العظم تقول في قصيدة جناحك متفرد:
وطني كنبوءة تأتي كطيف إله يتعقبك نبضي تعقد على خصر الأمنيات / شالك المعمد. ../ لكن جناحك متفرد/ يرتل أبجديات الغمام. / ص 9 فالشاعرة مولعة بالشام وحب الشام ورموزها ولهذا كتبت لها : / يصوغ الغناء غلالاً يضمخها ببسملة/ فأنت الكناية والبلاغة والصهيل/.
ص9 لنسمعها تنادي ولدها : …/وأنا ياحشاشة قلبي/ سكنني سقام هصر نومي / فمتى تحيي ذبولي بنسغ الحضور /أخاف نوماً أبدياً قبل أن تأتي؟/. ص35-36 هي بارعة في التعبير عن الذات والوجدان والحياة والحب ذاكرة اليراع ارخ ياسمينك /على شفاه بوحي أبد الآبدين آمين. / ص 46 إن المتتبع للغة الديوان وقصائده سيتوقف كثيراً عند مطواعية المفردات حقيقتها ومجازها، واللغة بفصاحتها والتراكيب وإحكام صوغها ومتانتها وترابطها، وتنوعها بين الطول والقصر والخبر والإنشاء تبعاَ للنفس الشعري أو مقتضى الحال .
غضبي اليوم جامح ينذر بثورة وحطام. …/ كأني أقطف جمراً من مواقد النار /قصيدة تأزم وغضب. ص 106
تبدو الشاعرة صالح متمكنة من أدواتها الكتابية وهي لاتتوقف عند المهارة والمقدرة اللغوية العالية . فالخيال بنوعيه الواقعي ومافوق الواقعي طوع بنانها وقد أسلمها قياده مجربة في هذا المجال التصوير والتنبيه بأنواعه. .لاسيما البليغ. . والاستعارة بنوعيها المكنية والتصريحية .
وزهو الحلم يعلن التصفيق / على إيقاع يراقص ابتهال وردة /لن يخرس الوقت لحن اليقظة/ وهي تصوغ أغنية.
/قصيدة هواجس عابرة. ص87 نقرأ ونشهد بأن الأسطر الكتابية يرقص فيها إيقاعها وتنبض موسيقاها من خلال انسجام الحروف وتضاد المفردات ومقابلة الجمل وطباق الكلمات والنشيج الذاتي والدرامي في النص مايخلق موسيقى تحيل النص إلى الرشاقة والجمال والحركة بل والألوان من خلال تطامن السمعي مع البصري والخيالي مع الواقعي في تناغم محسوس : لنسمع تراتيل نعناعها ص 31 باب حزنك مشرع/ تتوكأ قدماك على الجراح/ كل يوم ترتيل لفقد / وناياتنا انكسرت على حمائم الدار. ./..
تلك كانت قراءتنا للمجموعة الشعرية ” كأن الجياد عائدة ” وهو الكتاب الثاني للأديبة مفيدة محمد صالح.
خالد عارف حاج عثمان