الوحدة 12-3-2022
مهما بلغنا من العلوم والمعرفة خاصة ( المدراء العامّون للمنازل والعائلات ) فنحن لم نصل إلى جزء ضئيل من فراسة ومعرفة القدماء من آبائنا ومن سبقهم في تدبير الأمور المنزلية بكافة جوانبها .. قسوة الحياة والطبيعة وما يرافقها من طقوس هوجاء جعلتهم يقارعون مستلزمات المعيشة وأهمها تدبير أمور الحياة اليومية لأطفال بكافة الأعمار يعيشون تحت سقف خشبي ترابي يترنح على حجارة كبيرة وصغيرة، جدرانه من الداخل مطلية بعبق التراب الأبيض ورائحة دخان الحطب، يفتقدون الكهرباء وشبكات المياه، حمّامهم وغسيل ملابسهم على نار هادئة إلى جانب موقد أواني الطعام الأسود الكبير، في الشتاء يقبع بزاوية تلك الصالة الكبيرة، وبجانبه باب خشبي لغرفة تفوح منها روائح الماشية المعطاء، وما يهمنا من هذا الوصف الذي عشناه بطفولتنا، أنّ تلك الأزمنة كانت عبارة عن فنون بكيفية تدبير المعيشة التي بدأت تحاكي أيامنا الخانقة الآن، لكن حيلتنا ضعيفة جداً وابتعدنا مسافات طوتها أيام الرخاء والتطور بكافة الجوانب، حياة أهلنا القدماء تشبه إلى حدّ كبير مجتمع النمل، شتاؤهم ركود وملل وترقّب، وصيفهم صاخب مُتعب، يخرجون صباحاً إلى حقولهم ويعودون مع مغيب الشمس، محاصيلهم الزراعية وفاكهتهم غضّة نضرة، يتفنّنون بصناعة وجبات غذائية شاملة، لديهم قطعان من الدواجن وما تعطي، كان سطح المنزل عبارة عن مطبخ فني لتشميس ما يزيد عن حاجتهم على أطباق القش من الخضراوات والفاكهة لتكون وقود أبدانهم في الشتاء، كالفليفلة والبندورة والحنطة والحبوب بأنواعها، والخضراوات البقولية والورقية، ومن الفاكهة ما لذّ وطاب وخاصة لأنواع من العنب والتين الممزوج بالجوز بأشكال متعدّدة، لتكون الفاكهة الشتوية الأثمن والأفضل على الأبدان، وكل ذلك يتم حفظه بأسلوب علمي بحت، سواء داخل العنبر والنملية الخشبية، أو ضمن سِلل قصبية وأوانٍ فخّارية غاية بالرتابة والحفظ، أما الخبز ورائحته الممزوجة بالحطب فترشدنا إليه تلك القماشة المميّزة التي تحتضن تلك الأرغفة الّلذيذة لعدة أيام .
فهل بقي من ذلك سوى الذكرى التي قد تنفع الآن، ونحن مقبلون على صيف ربما يكون طويلاً ويعطينا مجالاً واسعاً لإعادة رسم ما سبق والابتعاد عن الثلاجة الفقيرة التي تضمّ الآن فقط بعض الأرغفة برائحة العفن بسبب ضغط التقنين، لنحاول نسيان الكهرباء.
كل البيوت تؤدي إلى أسطح وشرفات، فلتكن هذه الطريق لممارسة بعض العلوم العتيقة لتشميس الموجود من محاصيل الفول والبازلاء والبندورة والفليفلة وكل ما يمكن ادخاره، خاصة أيام الصيف مباركة ومناسبة للجيوب، حيث تخفّ وطأة الأسعار وتنهار قليلاً نظراً لكثرة المنتجات الزراعية وتنوّعها، فتكون عوناً ودعماً كبيراً لما هو متوفر من خضار وغيرها من الفاكهة، إلى جانب البصل والثوم والملوخية وما تُنتج شجرة الزيتون المباركة ( إن وُجدت ) فنحن الآن في وضع اقتصادي ضاغط وحيلتنا قريبة من العدم، وعشرة أعوام ثقيلة هي كفيلة بأن نراجع ونغيّر أساليب حياتنا العشوائية .. فنذكر المثل وصاحبه العظيم ( ما أكثر العِبر وما أقلّ الاعتبار ).
سليمان حسين