الوحدة:8-3-2022
ذات شتاء ..
رحلت جدتي “جميلة ” كياسمينة بيضاء ..
كنت أظن أنها لن تفعلها في يوم من الأيام .
تركت وراءها حقائب الذكريات ..ورائحة الزوفا البرية وصوت “القبرات ” وعبق الأحاديث الدافئة ..
كل الذين نحبهم يتأبطون الشمس في رحيلهم ..نعجز عن صوغ حرف يليق بكبرياء وداعهم ..وربما نبقى لسنوات طويلة غير مصدقين أنهم اقترفوا اثم الغياب دون قصد !!
وحده ذلك البيت الطيني القديم بقي عصياً على الزمان ..لم يبرح عطره الكوني ..لم يجادل إشكالية الموت والحياة .. احتضن صوت جدتي ونام على كتف نجمة بعيدة !!
جدتي” جميلة “كانت تحفظ عشرات الأبيات الشعرية عن ظهر قلب ..وتحكي قصة “الزير سالم “بتقنية مذهلة رغم أنها لم تتعلم القراءة والكتابة يوماً ..
في الصباح ..كانت تعجن الرغيف بضوء الفجر ..وتسقي الورود من ماء القلب ..وتجدل ضفائرها الذهبية أغنية للقمح والحقول !!
لم تعرف جدتي ما معنى أن يخفي المرء تجاعيد وجهه بتقنية التجميل ..كانت كبقية نساء جيلها جميلة بالفطرة وكفى …
كم نحتاج إلى ذلك النوع من الجمال ..الذي يطهرنا من الداخل ويحررنا من قيودنا الزائفة ..
كم أفتقد وجودك النقي أيتها الجميلة النائمة طويلاً ..
كم أحتاج أن أمسك بيدك الدافئة في زمن البرد ..وأركض معك في سماء من قصب السكر ..
عساني أولد من جديد ..
منى كامل الأطرش