الوحدة 6-3-2022
الكتابة فن و متعة، منها يستمد المرء الكثير من الفهم و التبصر لمواجهة حياته. فكيف إذا كانت الكاتبة تنشر رسالة تعليمية و أدبية و حريصة على رفد المجتمع بكوادر فعالة؟
إنها الأديبة الدكتورة /عضوة اتحاد الكتاب العرب باللاذقية/ “وضحى يونس” صاحبة المؤلفات الكثيرة منها : “القضايا النقدية في النثر الصوفي”، “حين يتنهد الفجر”، حداثة الشعر القديم”، مسح جغرافي لرجل تاريخي”، “للغمر عمر”(مجموعة شعرية). “الوحدة التقت د “وضحى” و معها كان حوارنا الآتي…
*تجمعين بين التدريس في الجامعة و الإشراف على رسائل الماجستير و الدكتوراه ، و نظم الشعر، و النقد، والدراسات التحليلية, و هذا الأمر يشتمل على عدد من العناصر، فماذا تحدثينا بهذا الخصوص ؟
رغم تعدد المجالات التي ذكرتها و ما يظهر عليها من اختلافات لكن ينظم بينها خيوط مشتركة قوية هي حب العمل
والرغبة في إثبات الذات و تحقيق مشروع حلم . فهي مصدر سعادة يكمن تحديداً في التعامل مع الجيل الشاب من خلال التعامل مع طلابي و أولادي حيث ينشأ صراع محبب رغم متاعبه و هو محبب لأنه مصدر للإنتاج و التعلم و التواصل
والتربية و كل هذه الأعمال تحتاج إلى تركيز و قوة و جرأة و تحد.
فأنت طول الوقت في حالة تأهب و مواجهة و عدم استسلام حتى لساعات التعب .
وهذا متعب جدا لأنه بحاجة إلى وقت طويل و صفاء ذهن و راحة جسد و هذه الأعباء تتقاسمها أكثر من امرأة داخل شخصيتي و هن الأم والأستاذة و مديرة شؤون المنزل و الأسرة . تراودك لحظات فرح بما أنجزت و لحظات تحسر و ألم على ما يفوتك إنجازه وأنت الطموحة الراغبة بمواكبة الإيقاع السريع للحياة
*الأديب و المبدع(رجل أو امرأة) هو شاهد على العصر، يؤثر فيه، و يتأثر به، فكيف يتراءى لك ذلك ؟
نعم هو شاهد على العصر و هذا يتطلب منه الحكمة و التروي و التحالف مع الجديد الأصيل و محاكمة الماضي بموروثه محاكمة عقلية منطقية و التعامل معه تعاملاً انتقائياً فنختار الإيجابي الذي ما زال باقياً حياً و جميلاً رغم مرور الزمن. فالعلاقة بيننا و بين الزمن الذي نعيشه علاقة محكومة بالصدام و هذا يحل بالوعي و تحكيم الضمير الزمن أو العصر يشبه تيار الموج القوي الجارف فتخيلي أن تجرفك مجريات العصر أو ثوراته أو مؤامراته .
على الأديب أن يتعلم و يعلم, أن يدرك الحقيقة و ينقلها للآخرين كي يخفف من الثمن الباهظ الذي تدفعه الشعوب في أثناء الانتقال من مرحلة إلى مرحلة . الأديب يتأثر فيتألم و لكن سرعان ما يتحكم بألمه و يعيد صياغته وعيا فهو يعلم جيدا أنه صاحب رسالة.
*تقولين: “الشعراء مكلفون بنظم دواوين الحياة و الفرح” كيف ترجمت ذلك في مسيرتك الأدبية ؟
نعم الشعراء مكلفون بنظم دواوين الحياة و الفرح و قد ترجمت ذلك من خلال كتاباتي المتفائلة خاصة قصيدة النثر و الومضة ففيها إصرار على الإنسان المثالي من خلال إيماني بفكرة صوفية قائلة بسعي الانسان إلى الكمال فهو خليفة الله في الأرض و قد لا نبلغ الكمال و لكن علينا أن نسعى إليه بكل قوة مؤمنين أننا سنبلغه, أحب مقولة الإمام علي كرم الله وجهه و هي 《 اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً, واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ) فلسفة رائعة كفيلة بصنع حضارة مع الانتباه إلى أن العمل للآخرة لا يعني الزهد و التنسك و التفرغ للعبادة بل يعني العمل .و نوع العمل هنا أخلاقي بحت تلاحظين في نصوصي خاصة نصوص الغزل هناك رجل مثال أبثه هيامي و شوقي هو رجل الحلم ابناً و زوجاً و أخاً و صديقاً . و في أي موقع من مواقع المسؤولية …أسبغ عليه أقصى درجات الجمال و أمنحه أعلى درجات الحب و هذا ليس واقعيا لكنه حلم و علينا جميعا بناء الإنسان الحلم .الإنسان السوري المخلص لسورية المنصهر مع روح الجماعة .
* وتقولين أيضاً: “يفتقر تراثنا النقدي إلى نقد الفكر و مستجداته” ماذا قصدت بهذا الكلام ؟
**الفكر نهر لا يتوقف لأن العلم بحر لا ساحل له . و جزء كيير من الفكر الموروث هو فكر جامد مستقر تجاوزه الزمن و مهما احتوى على عناصر جمال و كمال سيفتقد بمرور الوقت بعض أسباب استمراره. فالفكر الموروث هو شيء رائع ملائم لزمنه. نطلع عليه و نحاكمه عقليا و لا نعبده بإطلاق فهو محدود بزمنه و أسبابه و غاياته و لا يصلح لكل زمن لذلك أؤمن بأن كل فكر قابل للنقد بل نقده واجب . ليس كل ما نقرأه من فكر عربي أو غربي آمن .مثلا يقرأ البعض اليوم نيتشه و يأخذ بفلسفة القوة ما يؤدي إلى نتائج لا إنسانية .. أنا شخصياً أميل إلى شك ديكارت .أنا أشك إذن أنا موجود . أما إذا كنت أسلم بالحقائق و أعتبر مسلماتي بديهيات أكون قد ألغيت عقلي أو عطلته .
وهذا موت . دوماً هناك جديد ينسخ القديم و الزمن سيغربل و سينتصر للصحيح و الجميل فعلى صعيد الشعر مثلاً لو لم تكسر نازك الملائكة عمود الشعر لما احتفلنا بولادة قصيدة التفعيلة و لو لم يتجرأ أدباء مثل محمد الماغوط و علي الجندي و أنسي الحاج و غيرهم لما احتفلنا بقصيدة النثر . وهكذا فالحياة معناها التوليد و التجديد و الإبداع وما التقليد إلا مستنقع من الرتابة و السكون .
كيف تؤسس الحداثة مفهومها و رؤيتها و خطابها عند الأديبة د.” وضحى يونس”؟
الحداثة عندي في أبسط معانيها هي التصالح مع الزمن و وعي مجريات العصر على الصعيد العالمي و انعكاسه محلياً. الحداثة هي فهم ما يجري حولنا و نقده الحداثة توجه فكري إنساني عالمي يميل إلى التحرر من قيود الماضي و خلع عباءة الأجداد مع محبتهم و احترامهم الحداثة أدبياً هي الاشتغال على اللغة فهي حداثة الأسلوب و الأفكار فالحداثة شاملة يتواشج فيها الأدب مع العلم و الحداثة على صعيد الشكل و المضمون فهما على درجة واحدة من الأهمية خطاب الحداثة معتدل لا مكان فيه للتطرف و هو خطاب إنساني شامل و الحداثة مفهوم مفتوح و ليس مغلقاً أبداً لا يعترف بالحدود فتتقارب الأجناس الأدبية و يأخذ بعضها من بعض مع احتفاظ كل جنس بهويته و سماته الأساسية و تؤسس الحداثة مفهومها بتجديد ما هو قديم و الاختيار منه و تطعيمه بعناصر جديدة الفيلسوف هيغل من أوائل من اهتموا بمفهوم الحداثة و اللافت أنه ربطه بتطور الفكر .و لذلك هي كسر للصور النمطية و علينا تقبل هذا بوعي و تطبيقه على كل جوانب الحياة مثل الاجتماع و الاقتصاد و الثقافة و التربية و التعليم لكي تنتقل آلياً إلى الأدب.
*لك مؤلفات عديدة داخل و خارج القطر، برأيك كيف يمكن للكاتب أن يقوي اللحمة، و يحافظ على جسور الاتصال بينه و بين قرائه ؟
تقوية اللحمة بين الكاتب و القارئ تكون باحترام القارئ و عدم الاستهانة بثقافته و ذائقته و حين يقتنع الكاتب أنه بحاجة إلى النقد البناء لا التعليق الجارح .و بمثابرة الكاتب و استمراره و حضوره على الساحة الثقافية و اهتمامه بالقراءة و بالجو الثقافي من حوله و التواصل مع التجارب الأدبية حتى لو لم تتوافق مع ذوقنا الشخصي و أن يجعل من مهنته قناة للتواصل مع الناس لا الانعزال عنهم بل محاورتهم و تبادل الرأي معهم و اكتساب المعرفة و منحها ، فالعلاقة بين الكاتب و القارىء علاقة تشاركية تكاملية إشكالية لأنها أخذ و عطاء و تأثير متبادل وهي علاقة ديمقراطية أيضا لأنها تترك للقارىء حرية الفهم فتعدد القراءة أكثر إنتاجاً من القراءة الواحدة .