العـــــدد 9317
الخميــــــس 21 آذار 2019
أسرار الحياة منحنى مغلق لرحلتنا غير الأزلية في مساراتها المتفاوتة وربما إذ تزاحمت الأشجان في أعماقنا انهال الدمع من مقلتنا وتنحى البوح عن شفاهنا وهجر النوم أهدابنا..
ما جرى معي أنا وطفلتي حين كنا جالستين على مقعد خشبي بحديقة الحي، حين بدأت طفلتي بالبكاء والصراخ طالبة بإلحاح هاتفي لكي ترى بعض مقاطع الأطفال وأغانيها، فلم استطع ردعها، وأعطيتها إياه، وحينها اقتربت مني امرأة في الثلاثين من عمرها وبدأت تحدق بي لفترات طويله لا يتخللها الانقطاع، لكن أثارت الخوف في قلبي عيناها اللتان كانتا تترجمان المعاناة والحزن الممتزج داخلهما، ولكني استمريت بالحفاظ على هدوئي مع رسم ابتسامة لطيفة على شفاهي، لكن عندما دنت مني أكثر لم أستطع تجاهلها فاستبقتها بطرح السؤال قائلة: هل هناك شيء يا سيدة، فجلست بجانبي بكل رزانة قائة: أرجوكِ خدي هذا الهاتف من يد طفلتك الصغيرة فأنا مأساتي جسيمة من التلفاز والهاتف ومشاهدة الطفل لهما، أنا لدي طفل جميل عمره سنتان كنت أدعه في المنزل لساعات طويلة على التلفاز وهذا لأن وقتي مزدحم بعملي الخاص وواجباتي المنزلية ووالده كان دائماً منشغلاً عنه وهذا بحكم طول فترة عمله، ويوما بعد يوم لاحظت تغيراً في سلوكه وفي مودته لي مما جعل القلق الشديد والاستغراب يتملكاني فاصطحبته إلى الطبيب، لكن عندما سمعت أن طفلي مصاب بالتوحد وأن التلفاز وتلك المقاطع المتكررة التي يشاهدها الطفل أثرت على حالته بشكل سلبي وخطير جداً، لمتُ نفسي كثيراً ومعاتبة ضميري ودموعي لا يتوقفان كلما رأيت طفلي أمامي الذي كان بحاجتي عند غيابي وانشغالي عنه، ولم أكن أتوقع يوماً أن هذا النوع من الأمراض سيلازمنا، كنت أظن أنني سأرزق بأطفال ذوي عقول نابغة لأني أنا ووالده وصلة القربى بأكملها نتسم بذكاء بالفطرة
وهذا الطفل هو خيبتي الأبدية لتعلقي بالحياة، والأمل لن يدخل باب يأسي مجدداً.
في الواقع إن لهاثنا لتأمين معيشتنا يشغلنا أحياناً عن مجالسة أطفالنا لكن ليس هناك شيء يمنعنا من أن نعطي الطفل حيزاً من وقتنا لرعايته، ومن الجميل أن يتعاطف المرء مع مأساة غيره لكن ما أصعب لوعة القلب عندما تتذوق من قدح هذه المأساة لأن الندم بعدها لن يفيد.
فداء محمود محمود