بائــــع غـــزل البنــات.. ولا أحـــــلى

العـــــدد 9317

الخميــــــس 21 آذار 2019

زل البنات.. سكر نبات.. هم هم) تدوي بها ألسنتنا كما تذوب بنعومتها بين شفاهنا، نلمحها وتلفح عيوننا من بعيد فتوقد الفرح والبهجة في قلوبنا، نتراكض خلف بائعها نشتريها ونطلب المزيد، زهرية اللون وناعمة ولها أن تتبرج بالأصفر والأزرق كما غيرها من الحلوى والسكر.


(صباحكم سكر) مع البائع أبو خالد.. في حي الزراعة وأمام أبواب مدرسة الشهيد سليمان العجي صباحاً وإلى المساء يقف بعربته (المعرمة) بأكياس حلوى غزل البنات، لتعمر المكان بضجة وسعادة ناس، ويعتمر أصحابه بحياة كلها سكر.
حيث أجمع الطلاب الذين التفوا حول العربة وقت خروجهم بأن لهم مع غزل البنات حكاية ولقاء فرح وسرور، والكل يرغبها ويحبها ولا يكاد يمر يوم دونها، فيها النشاط والحركة والتفكير ليقاوموا صعوبات الفهم والحفظ والدرس ومرارة عقوبات المدرسين بحلاوة ونعومة غزل البنات التي تزهق الألم والتعب وتعلو بالسعرات الحرارية في الجسم لتكون السعادة، كما أن بعضهم يشتريها لأخ صغير ينتظره في البيت، أو لأمه التي لا يمكنها إلا وأن تنال منها لقمة، فحكاية عشقها لها منذ الطفولة.
أرخى أبو خالد بجسده المتهالك من المشي والوقوف الطويل على جدار المدرسة واتكئ عليه ليحمل عنه أثقالاً وهموماً يزيحها عنه ريثما يخرج الأولاد لفرصة واستراحة عندها يقترب من أسوار المدرسة وبابها ليبيعهم أكياس الغزولة أو عند خروجهم.
التقيناه عند ساعة الظهيرة وبعد أن كرج دواليبها إلى زقاق وراء مشفى تشرين وحط رحاله فيه حيث طلاب الجامعة في ذهاب وإياب وقد أخبرنا عن سر غزل البنات فقال: سميت بذلك لأن في نسجها ما يماثل نسج البنات لخيوط الحب وغزل قصصها، تصنع من السكر والصبغة وقليل من الماء، نسكبها في الماكنة وتحت نار الغاز تلف وتدور حبات السكر مع الصباغ التي تلونها (زهري، أصفر، أزرق) أو بدونها تكون بيضاء بثوب الثلج، وتمسك بأطراف العود لتكبر وتكبر شلاتها وخيوطها الناعمة أمام ناظرينا حينها ننشلها من الوعاء ونقدمها للأولاد ولا نعرف اليد التي تلتقطها حيث رفع جميعهم أيديهم أمامها، واحتاج بعض الوقت لأرضي الجميع لهذا أحضرها في البيت منذ الصباح الباكر، وتساعدني زوجتي فتفتح الأكياس الشفافة وتضعها فيها بهوادة حتى تحافظ على شكلها ولا تكبسها فتفقد انتعاشها وحيويتها.
كنت أعمل في معمل لصناعة الشناتي النسائية في ريف دمشق ولما جاءت الحرب وفقدنا الأمن والاطمئنان في بيوتنا التي دمرت أتيت بعائلتي (أربعة أولاد وزوجتي) إلى اللاذقية واستأجرت غرفة في قنينص منذ خمس سنوات، بحثت عن عمل ولم أجد غير قطاف الليمون، ولم تكن الأجرة 500ليرة سورية تكفي ثمن خبز وآجار، لأعود وأبحث في جوانبي عن عمل أجيده، وجاء على بالي غزل البنات، فأنا أعرف صناعتها وكنت قد تعلمتها في صغري من جارنا الذي كان يدهشنا في الحارة لنلتف حوله كنحل فوق السكر، ولم تكن بأكياس بل يلفها لنا على عود بكل جمال.، حيث يتجول في الشوارع وبين الأزقة والحدائق خاصة في أيام العطل والأعياد.
أشكر ربي مئة مرة اليوم لأن في يدي صنعة ولو كانت بسيطة فهي بغاية النعومة و(مرزقة ) ولو على الخفيف، وليس فيها من تعب وحمل أوزاناً كما قطف الليمون،غير جرها بعناء، كما أنها لم تكن تحتاج لمعدات وأجهزة غير الماكنة التي أتيت بها من حلب وفصلت لأجلها العربة وهو ما كلفني 30 ألف ليرة ذاك الوقت، وأحتاج لكيس سكر كل عشرة أيام أتي به من السوق، وكأس من السكر تكفي أربعة أكياس من الغزولة، و (عايشين والحمد لله وكافيها الله)

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار