العدد: 9316
الأربعاء-20-3-2019
يتزامن عيد الأمّ والمعلّم مع بعضهما البعض هذا العام ، في توليفة تُوائِم بينهما، طالما حملا رسالةً واحدةً تختصر بناء الأجيال ومنهم بناء الأمم والحضارات والشّعوب، ولواءً واحداً يمجّد العلم والأدب والأخلاق، ويرسم خطوات المستقبل.. معهما يصبح المستحيل ممكناً وتجد المعجزات طريقاً لها إلى الوجود.. عطاؤهما بلا حدود.. إخلاصٌ وتفانٍ وتضحيةٌ وإيثار كشموعٍ تحترق لتنير لنا دروب الجهل وسراديب الظّلام، نستظلّ بفيء نورهما، وننهل من مشارب عطائهما علماً ومعرفةً ونجني ثمار تعبهما وجهودهما المضنية التي تثقل كاهل الجبال دون كلل أو ملل.. صدى فضلهما يتردّد في جنبات حياتنا ويملأ الكون والأرجاء.
يجفّ حبر أقلامنا دون أن يفيكما حقّيكما، سعيتما فكان سعيكما مشكوراً، نكتب لكما بمداد قلوبنا أعذب الكلمات وأرقّ المفردات عسى تفيكما جزءاً ولو بسيطاً من جزيل تضحياتكما وعطاءاتكما، فكلّ أمّ هي معلّمة وكم من معلّمة كانت أمّاً لأبنائها الطّلبة، لكما منّا كلّ التقدير والشكر والعرفان في عيدكما، ونسلّط معكم في السطور الآتية على عدد من تجارب الأمّهات المعلّمات ورسائل الإنسانية التي يتقاطع معها دور كلّ منهما والتي نضعها وساماً للأخلاق الحسنة والصفات الحميدة على صدر كلّ منهما، وللمعلّمين نرفع أسمى آيات الشكر والتقدير.. بوركت جهودكم وتقدّست عطاءاتكم.
– ماري محرداوي: تحاول معظم الأمهات المعلّمات إيجاد توازن وتقارب بين المهمّتين، ورغم أن كفّة الأمهات قد ترجح في أحيانٍ كثيرة، وكوني مدرّسة في معهد متوسط هندسي, وطلابي من فئة الشباب علاقتي بهم قائمة على الودّ والاحترام المتبادل وأحرص على أداء رسالتي بتفانٍ وإخلاص، وأعاملهم كأبنائي ولا أبخل عليهم بأيّ معلومةٍ أو استفسار، وأبني معهم جسراً من التواصل والتفاهم، كذلك علاقتي مع أبنائي داخل بيتي، فإضافة إلى المسؤوليات والمهام الجسام الملقاة على عاتقي كأمّ ومربيّة، أتابع دراستهم بشكل دائم وأحرص على تزويدهم بأيّ معلومةٍ يحتاجونها، وكوني مدرّسة فهذا يسهّل عليّ مهمّتي كمعلّمة لهم.
– مارين نصّار: مهنة التعليم من أصعب المهن إذا أراد صاحبها أداءها بضمير حقيقي، إذ أنّ بناء الإنسان أصعب من أيّ بناء آخر، وبالنسبة لي طلابي هم أبنائي ولا أجد صعوبة في التواصل معهم، ورغم ما نتعرّض له من ضغط وتعب واستنفار لطاقاتنا وإمكانياتنا الجسدية والنفسية إلا أنّ هذا لا ينعكس على بيتي وعائلتي، في حين نجد كثيرات يعانين من ضغط التعليم والتدريس وانعكاساتهما السّلبيّة على علاقتهما مع بيتهما وعائلاتهما حتّى أنّ البعض يتقمّص دور المعلّمة ويمارسه على أبنائه بكلّ شدّةٍ وصرامةٍ، فيما نرى بعضهم الآخر يترك لابنه حرّية الدراسة والتعلّم دون ضغوط تذكر مع متابعة حثيثة لأدقّ وأهم تفاصيل العملية الدراسية لاسيّما مع معلّميهم ومدرّسيهم في المدرسة وتواصلهم الدائم مع زملاء المهنة، وهنا أنوّه إلى الظلم الذي قد يتعرّض له ابنها إذا كان تلميذها في المدرسة أيضاً فهو قدوة لزملائه في العقاب والحساب وتحت المراقبة الدائمة ما يحدّ من قدراته الإبداعية والدراسية إن كانت تؤدي ضميرها المهني والأخلاقي، أما الأمّ فهي الأساس لأنها تجمع في شخصها كل الشخصيات والمهن، ورسالة التّربية أولى وأهم رسائلها وهي أولى خطوات العلم الذي نكتسبه لاحقاً, أمّا التربية الناجحة فهي طريق العلم الناجح وسبيل تحصيله.
– رشا سميّا: إن المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقي كمدرّسة ومديرة مدرسة (القلّوف) جسام، وكبيرة ضغوطات العمل وساعاته الطوال، لكني أحاول دائماً استيعاب الجميع وحلّ مشاكلهم كافّة وتذليل عقباتهم والصعوبات التي تعترض طريقهم وطريقي، فأن تبني جيلاً واعياً ملتزماً بقضايا مجتمعه وأمته، ترشده وتدلّه إلى الطريق الصحيح وتصوّب اتجاهاته ومبادئه وسلوكياته، ليست بالأمر السّهل على الإطلاق، أتواصل معهم بكلّ ودّ وحبّ واحترام، وأبني معهم جسور التفاهم وعلاقات أساسها التربية الصالحة والعلم المفيد الذي ينير دروبهم ويؤهلهم لحمل رسالة تبني وطنهم وتمجّده، وأمارس دور الأمّ بكلّ وعي واتّزان وأرجّح كفّة العاطفة والوجدان عند اللزوم، دون التخلي عن الإمساك بزمام الأمور واستخدام الشدّة لضبطها وإبقائها تحت السّيطرة، خاصة وأننا أمام جيل واعٍ ومنفتح على العالم أجمع وجميع الخيارات مفتوحة أمامه، وأحاول دائماً الانصراف إلى شؤون عائلتي الخاصة بعيداً عن هذه الضغوطات وأؤدي رسالتي كأمّ إلى أقصى الدرجات وأمنحهم وقتي واهتمامي قدر المستطاع، إذ لهم حقوقهم عليّ ومن واجبي إتمام مهمّتي على أكمل وجه بعدلٍ وإنصاف.
– رانيا جبيلي: للأمّ والمعلّمة رسالة مقدسة تتقاطع مفرداتها في كثير من الحروف والنقاط، فالعطاء والتضحية والإيثار وبذل الذات في سبيل إرضاء الآخرين وتعليمهم أساسيات الحياة وإرشادهم إلى الطريق السّليم وبناء الإنسان المتعلّم والمتحصّن أخلاقياً وتربوياً وإعداده كحجر أساس في مجتمعه، وبحور العاطفة والأحاسيس الدافقة حبّاً وودّاً ورعايةً وإحساناَ، كلها صفات مشتركة تنعكس إيجابياتها في إداء رسالة الآخر، فالأمّ التي تهزّ السرير بيمينها، لا تهزّ العالم بيسارها وحسب، إنّما تنيره وتضيء سراديب الجهل والتخلّف، إنّها الأمّ والأخت والزوجة والابنة، تفني عمرها وحياتها خدمة لمن حولها، تهبهم الحياة فيستمدّون منها القوة والإصرار والصمود ويتعلّمون منها العطاء والحنان، فكيف إذا كانت هي الأمّ معلّمةً واجتمعت صفات القداسة عندها، ستكون حجر الزاوية الأساس في صرح الحياة؟.
ريم جبيلي