وقـال البحــــــر …عالم الأمومة

العدد: 9316

 الأربعاء 20 آذار 2019

 

 

الأمومة هي نبع العطاء الدائم والفياض بلا حدود، والأم هي تلك المعجزة التي خلقها ووهبها المولى عز وجلّ لسائر البشرية، وهي زهرة حياة الأبناء، ورضاها يحدد مصير كل أولادها وأطفالها، فلا راحة أو هناء في مشوار هذه الدنيا بدون ابتسامتها وحنانها النابع من أعماق قلبها وصميم فؤادها، ولا توفيق أو نجاح بدون صلواتها ودعواتها الصافية.
تشعر الأم وتعيش بصورة طبيعية بعلاقة وثيقة بطفلها عندما تحمله بين ذراعيها، بعد أن كان ضيفاً في أحشائها، ولكن عمق هذه العلاقة لا يحصل بلمسة سحرية واحدة، بل هي عملية تأخذ مراحل متعددة وتتطور مع مرور الزمن.
ومن المعلوم أن أواصر علاقة الأم بطفلها وتطورها تعد غريزة طبيعية حباها الله لها، ولكن ثمة هناك بعض الطرق والأساليب لتنشئة هذه العلاقة وتقويتها أكثر فأكثر.
و نرى أن ﺃﻋﻤﺎل ﺍﻷﻡ ﻟﻬﺎ ﺃﺛﺮ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻄﻔﻞ، فخشوع ﺍﻷﻡ، وﺻﻼﺓ ﺍﻷﻡ، وﺩﻋﺎﺀ ﺍﻷﻡ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺤﻤﻞ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﻔﻞ، وﻻ يقوﻝ أحد إﻥ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻻ ﻳﻔﻬﻢ! ﻧﻌﻢ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻻ ﻳﻔﻬﻢ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺘﻜﻮﻥ فهمه ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺃكل الأم ﻣﺆﺛﺮ رئيسي ومهم ﻓﻲ عملية التكوﻳﻦ، إضافة إلى ﺇﺣﺴﺎنها، وحبها لأعمال الخير، وبالإجمال فإن كل ما سبق ذكره ﻣﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ طفلها، ﻭعلى العكس من ذلك كله فاﻧﺤﺮﺍفها، وﻓﺴﺎﺩها، وﺍﺳﺘﻬﺘﺎﺭها ﻳﺆﺛﺮ أيضاً ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻄﻔﻞ.
ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳُﻮﻟﺪ، ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﻮﺍﺀ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠﻘﻬﺎ ﺍﻷﻡ، ولعل ما يحدث ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻨﺎه ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺆﻭﻝ، فالكثير ﻣﻦ هذه ﺍﻷﺟﻮﺍﺀ الخارجية ﻫﻲ ﻣﻦ صُنع ﺍﻟﺮﺟل أيضاً، وﺍﻷﻡ هي من ﺗُﻜﻮِّﻥ ﺍﻷﺟﻮﺍﺀ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ.
كما يتطور نمو الطفل خلال السنوات العشرة الأولى من عمره من خلال شدة شغفه بحب أمه، فهو لا يراها كما يُبصرها الأهل والجيران وباقي المحيط، حيث يمضي اليوم بطوله وهو يقلدها في كل شيء، وفي الوقت ذاته يُنمي علاقة رومانتيكية قوية بها و يرى فيها نموذجاً مثالياً للأنثى، ومن هنا فإن صورتها تلك تترك أعمق الأثر وأبلغ البصمات في أعماق نفسه عند اختيار زوجته في المستقبل، فتصبح نظرة الرجل للمرأة على أنها مخلوق مثالي تقترن برغبته في التميز والإبداع كون الأنثى ملهمة له في كل ميادين الحياة وحقول الاختراعات وساحات الموسيقى والأدب.

إن ﻛﻞ ﺟﻮّ ﻳﻌﻴﺸﻪ الطفل ﻟﻪ ﺃﺛﺮ بالغ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ نفسيته، ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻷﺟﻮﺍﺀ ﻃﺎﻫﺮﺓ، وﺻﺎﺩﻗﺔ، وﻃﻴﺒﺔ، فاﻟﻄﻔﻞ ﻳﺘﺮﺑﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ جيدة، ﻭﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﺘﺢ الطفل ﻟﺴﺎﻧﻪ، ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻷﺳﺌﻠﺔ ﺍﻟﻼﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ الموجهة ﻷﻣﻪ وﺎﻷﻡ ﺍﻟﻮﺍﻋﻴﺔ ﺗﺘﻤﻜﻦ من وضع ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ واللبنة الأولى ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻄﻔﻞ.
وأخيراً: فإن ما يحدث في بداية حياة الطفل، يؤثر تأثيراً بالغاً وعميقاً وحساساً في نمو الإنسان الجسدي والعقلي وحتى العاطفي والنفسي، ويترك في بناء شخصيته طوابع وبصمات، قد يصعب جداً تغييرها فيما بعد، وتجدر الإشارة إلى أن دور الأم المؤثر والهام في الاعتناء بطفلها، و سلامة نموه، وحُسن تربيته، منذ نعومة أظافره وطفولته تحديداً، يعطي فيما بعد عضواً فاعلاً، ومواطناً صالحاً، وفرداً منتجاً في محيطه ومجتمعه.
إلى أمي وكل أمهات الدنيا، كل عام وأنتن بألف خير.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار