الوحدة: 26-12-2021
مرض أعلن حربه ضد الإنسانية، سلاح مهمته الفتك بمشاعر الآخرين وأذيتهم، معاركه لا يحددها خلاف إقليمي، أو توجهات سياسية، كما أنها لا تخضع لنظرية المؤامرة الرعناء، إنما الخوض في معاركه يحددها الضعف الثقافي، والشح الشحيح في معرفة الإنسان واحترامه وتقديره كيفما كان، وأينما كان، وبأي شكل ولون كان، فالاختلاف يكملنا، ويرمم الهوة التي تهدد إنسانيتنا أو ما تبقى منها.
كان على وسائل التواصل الاجتماعي أن توفر لنا مساحة للنقاش، ترتقي بالفكر الإنساني بدلاً من استخدامها استخداماً يسيء للناشر ومحتواه، ويستخف بعقولنا، وبمن طالته يد السخرية… وهنا نتكلم عن التنمر الإلكتروني.
إن تعرض البعض لصور فنانين وغيرهم مؤخراً، وممارسة أسوأ أنواع التنمر بحقهم، هو استهزاء بالإنسانية جمعاء، فالسخرية من الشكل أو اللون او الإعاقة، والتقليل من شأن أحدهم بسبب ملامحه البسيطة، أو شكل فمه أو أنفه أو عينيه، إنما هو اعتراض على الخالق الذي ما كان عاجزاً يوماً على خلقك بشكل مختلف.
ما يثير الاستغراب أنها حملات تشن من قبل سوريين ضد سوريين لم يعرفوا يوماً بسياساتهم الدموية، أو مواقفهم المسيئة، جل ما فعلوه هو أن أشكالهم لم تعجب البعض، أو أن تصريحاتهم لم تستهو ضعاف النفوس، فجعلوهم محط سخرية بين أوساطهم، متناسين أن لهم أزواجاً أو زوجات، أولاداً أو أصدقاء، فهل نحن عاجزون عن محاورتهم ومناقشتهم أو مواجهتهم بالرد على تصريحاتهم وكتاباتهم بدلاً من التركيز على أشكالهم والسخرية منهم؟!.
أشارت بعض الدراسات إلى أن المتنمرين عادة يكونون متكبرين ونرجسيين، كما أنهم يستخدمون التنمر لإخفاء العار والقلق، فلا يأبهون لمن استهزأ به الذي يصاب بالقلق والاكتئاب، ويجعل تواصله سلبياً مع الآخرين، فالسخرية تؤدي إلى التقليل من احترام الذات، ما سيفقد المستهزأ به الثقة بنفسه تدريجياً، وقد يحوله لعدواني باتباعه العنف وممارسته على الآخرين، كرد فعل على ما مورس عليه.
صدفة جعلتني أسمع حديثاً لطفلين في الرابعة والخامسة من العمر، حيث سأل الطفل شقيقته: هل تعلمين لماذا نرى هذا الكأس بوضوح؟ فقالت: لماذا؟ أجابها الطفل: لأن أعيننا نظيفة… انتهى حديثهما.
نعم، نحن بحاجة ماسة لتكون أعيننا نظيفة كنظافة قلوب الأطفال، علنا نرى بوضوح حقائق الناس، علنا نرى حاجاتهم وآلامهم، فلا نقدم على كسر قلوبهم… لا يهزأ بالآخرين شخص سليم نفسياً، بل شخص غير متزن، يفتقر للأخلاقيات والإنسانية.
حسن إسماعيل