القدود الحلبية.. كنزٌ موسيقيّ وخزّان تراثي

الوحدة 14-12-2021

توليفة غريبة ومميزة بين الكلمات واللحن، لها خصوصية ثقافية عريقة لأنها اختصت بمدينة حلب فقط والتي خلدت تاريخ المدينة وحاضرها وقصصها القديمة. القدود الحلبية، والتي نشأت في الأندلس ومن ثم انتقلت إلى بلاد الشام وخاصة حلب التي عرف عن أهلها وسكانها منذ زمن بعيد أنهم يهتمون بالموسيقى والفنون والتي كان لها شأن كبير لديهم بل احتلت مساحة كبيرة من حياة أهلها، وتم تسميتها بالقدود الحلبية نسبة إلى حلب التي اهتمت وتميزت بها.
والقدود الحلبية هي خليط من الموشحات الأندلسية والأعجمية والأغاني الشعبية، كما أنها ساهمت بشكل كبير في المحافظة على التراث الموسيقي العربي حيث ساهم تغيير الموضوعات بانتشار أكبر لألحانها مما أدى إلى ثبات الألحان الأصيلة في الذاكرة الشعبية. وعلى الرغم من أنها انتشرت في معظم دول الوطن العربي، إلا أنها انتشرت في سورية بشكل خاص وتحديداً في مدينة حلب لأن كانت لها طقوسها وأماكنها الخاصة وتكاد لا تخلو مناسبة من هذا اللون الطربي، الذي كان يظهر ضمن فئات الطرب، وفي معظم المناسبات العامة والخاصة. وكان قد اشتهر بغنائها عدد من المغنيين الحلبيين، لعل أشهرهم الفنان الراحل صباح فخري، الذي برع وتميز في غناء القدود الحلبية بل تربع على عرشها ولم يتمكن أحد أن ينافسه فيها. فكيف يمكن لأحد أن يعبر عن حلب مثل الراحل الكبير صباح فخري ابن حلب العظيم الذي كان يغني لها بملء فمه، بصوته الرخيم المزين بهندسة الألفاظ تلقائياً، والذي مهما طالت ساعات غنائه لا تتبدل عذوبة صوته ولا قدرته على إطراب الروح قبل الأذن، ويجعلك تتنقل في “حلب” وتتمتع بجمالها وأنت جالس في مكانك. وأصبح “فخري” في ذاكرة كل عربي يعشق الموسيقى بوجه عام، وفي ذاكرة كل حلبي وكل سوري بشكل خاص. ومن أشهر اغاني القدود اغنية: عالروزانا، وكان الراحل “صباح فخري” أشهر من غناها، وتعد الأغنية الأشهر في بلاد الشام، والتي تداولت حولها العديد من القصص والأساطير، ولكن مهما اختلفت القصص، تبقى السحر الخاص للأغنية والتي جذبت العديدين لغنائها ولعل أشهرهم السيدة فيروز التي أضفت عليها شيئاً خاصاً ومميزاً بعد صباح فخري.
ومن أشهر الأغاني والقدود الحلبية التي خلدت وفاء المدينة والتي غناها فخري، (البلبل ناغى ع غصن الفل، وقدك المياس، وأنا وحبيبي، وقل للمليحة، وياما اسعد الصبحية، وياهويدلك، وسكابا يا دموع العين، و هلاهلا يا جملو، و دومك دومك دوم، ويا شادي الألحان).
وفي هذه الأيام تستعد سورية لاستقبال نتاج ملف القدود الحلبية الذي تم العمل عليه عام 2018 ليكون على القائمة التمثيلية للتراث الإنساني في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم يونيسكو بعد عمل دؤوب وممنهج قامت به الأمانة السورية للتنمية بالتعاون مع المجتمع المحلي بحلب ومؤسسات حكومية وأهل الاختصاص وفي مقدمتهم عملاق الطرب الراحل صباح فخري الذي قدم دعماً معنوياً وعلمياً وشارك بجزء من مسيرته في إثراء هذا الملف.
ولابد من التنويه إلى البدايات التي تعود للرائد الأول لفن القدود ابن مدينة حمص الشاعر والموسيقي الشيخ أمين الجندي الذي اعتبر أحد أركان النهضة الثقافية العربية في القرن الثامن عشر حيث أوجد فكرة القد ووضع كلاماً على قد بعض الألحان الدينية المرددة في التكايا والزوايا الصوفية. والقدود كما يصفها المختصون الموسيقيون منظومات غنائية أنشئت على قدود ومنظومات غنائية دينية أو مدنية وبنيت على قدود شعبية شائعة لتستفيد من شيوعها وسيرورتها وتحقق حضورها. وهناك نوعان من القدود الأول العادي الشعبي وهو منظومات غنائية قديمة متوارثة عن الأجداد والقسم الأكبر منها لا يعرف كاتبه أو ملحنه، والثاني القد الموشح ويبنى على نظام الموشح من حيث الشكل الفني وما يميزه عنه الصياغة اللحنية التي تأخذ في الأول طابع القدود وفي الثاني طابع الموشح.
ونشير إلى أن القدود لم تقتصر على مدينة حلب فهناك قدود حمصية ودمشقية وساحلية وغيرها لكن أهل الاختصاص يعزون سبب ارتباطها بالشهباء لكون حلب مدرسة للغناء الأصيل عبر العصور.

ريم جبيلي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار