الوحدة 14-12-2021
لم تكن القراءة إلاّ الشغف للمعرفة وما يحيط بنا في هذا الكون من أسئلة مازالت تطرق أبواب العقل وهواجسه، لذا ومنذ أن أبصر إنسان هذا الكوكب ملامحه ، سعى إلى قراءة واستبصار ما يحيط به بأشكال التعابير التي اختلفت وتنوعت مع تنوع العصور، فالقراءة فعل إنساني ذاتي وخارجي كَوّن معه هويات وأمم وشعوب تاقت دوماَ إلى معرفة الحقيقة ، تلك الحقيقة التي مازالت تطوي أسئلتها وتستنهضها وتستزيد عبر كل حقبة، وأدلُّ على ذلك تلك العناوين التي بحثت وما زالت, تتصدر بحور البحث والمعرفة . في قراءة جانبية شفافة لمجموعة ثقافية في اللاذقية دعت إلى القراءة كفعل ثقافي حيوي, سميت نفسها (اقرأ) ،عناوين ونقاشات و جدل عن بعض ما كتب وما نتج عنه عقل إنساني يقظ هنا أو هناك من هذا العالم .
حول المفهوم الثقافي وقيمته بفعل القراءة ونشاط هذا الملتقى كان لنا هذا الحوار, نقرأ معه ما يدور في جلساتهم مع مؤسس هذه المجموعة طارق سلمان الحاصل على إجازة في اللغة العربية ويعمل مدرساً، لديه بعض القصص القصيرة والدراسات النقدية في الصحف والمواقع الالكترونية: * كيف ومتى ولدت فكرة تشكيل مجموعة (اقرأ ( لقراءة فعل واعٍ مكتسب، يحتاج رعاية وتربية، ومن موقعي كمدرس للغة العربية لاحظت ضعف الملكة الإبداعية لدى كثير من الطلاب، بسبب ضعف القراءة، وأقصد هنا القراءة الأدبية والثقافية، ورغم وفرة النشاطات الثقافية كان التوجه إلى القراءة يحتاج إلى مزيد من الأفكار. وكانت فكرة المبادرة لتعزيز مستويات القراءة من الحالة الانطباعية لدى الطلبة إلى النقدية الأدبية والفنية، وكان اللقاء مع الشباب المثقف ضرورة لإطلاق هذه الفكرة وتوسيعها. ثلاث سنوات مضت من اللقاء الذي جمعنا في مقهى ناي مع المصور الفوتوغرافي أنس إسماعيل والشاعرة ساره حبيب اللذان دعما الفكرة وكانت الجلسات الأولى وبداية المشوار.
– ما هو عدد أعضاء المجموعة، وماهي اختصاصاتهم؟
كل من يقرأ هو من مجموعة مبادرة اقرأ معنا في اللاذقية لا يوجد أعضاء بل قرّاء فقط والتواصل يكون عبر صفحة المبادرة على الفيسبوك . فعند إعلان اسم الكتاب والصيغة التي المتوفر بها كنسخة ورقية أو إلكترونية. نطلق دعوة عبر صفحة المبادرة لكل من يرغب بالحضور. ويختلف القراء من جلسة إلى أخرى كل له مشربه الثقافي من طلبة جامعيين إلى كتاب إلى شعراء وفنانين، ونلتقي في حوار أدبي ثقافي حول الكتاب الذي تمت قراءته.
– ماذا يغلب على نوعية النتاج الثقافي الأدبي المطروح للمناقشة في جلساتكم؟
نحن لا نقرأ إلا العمل الروائي العربي والمترجم ، فالرواية تحمل في طياتها كل الأجناس الأدبية من شعر ومسرح وقصة ونثر، وتنوع التجربة الروائية بين العربية والمترجمة يغني النقاش والحوار، وقد يحضر مؤلف العمل أو مترجمة معنا، ليعيد تشكيل المرجعيات الحكائية للعمل، ويقرأ معنا نصاً كتبه بقلمه، وجاء ليسمع كيف سيكتبه القراء بحوارهم.
– القراءة الحرّة التي تجمعكم، في عالم عربي تُفتقد قراءاته الموجهة والحرة، كيف تقيم وترى اجتهاد قراءتكم؟
المبادرة تسعى إلى قراءة واعية حرة، تقبل جميع الآراء ولا تخرج بحكم قيمة، وهذا ما زاد من أهمية الطرح، فلكل قارئ ثقافته المعرفية التي يقرأ من خلالها، وعليها يعطي رأيه، وهو رأي من مجموعة آراء تُطرح جميعا دون تبني رأي عام والهدف رفع قيمة القراءة وسويتها، وقد لاحظ معظم القراء أن هذه الطريقة ساعدت في الكشف عن جوانب مختلفة من العمل بمستوياته الأدبية المختلفة. ٥
– القراءة ما بين مفهومها الطقوسي أو التوعوي وما بين مفهوم القراءة النخبوي أو التعليمي، أين تقف قراءتكم؟
نحن نقف حيث يقف القراء، وبرأيي لا يوجد أنواع للقراءة، بل يوجد مستويات لوعي القراء، وهذا الوعي لا بد أن يمرّ بكل المراحل إلى أن يصل إلى بعده المعرفي النقدي، بحيث تُصقل الذائقة الأدبية، وتتحول إلى عمل مبدع، وأنا هنا لا أقف عند حدود القراءة والحوار فقد كانت الجلسات مفيدة جدا لكل من حضرها في تطوير أدواته والخروج بأعمال جديدة ومبتكرة، والمبادرة تحتفي دائما بقرّائها الذين يحجزون مقاعدهم في إبداع الأعمال الأدبية والثقافية والفنية
برأيك ماهي أسباب غياب القراءة العربية التي تقدر نسبتها ٢% قياسا بالقراءة الغربية التي تقدر بين ٥٠% – ٧٥% ؟ أحد أهم أسباب غياب القراءة العربية هو غياب الوعي بأهمية هذه القراءة في دخول ركب الحضارة الحديثة، والانبهار بالاختراعات الغربية والتقنيات التكنولوجية واستخدامها للتسلية وضياع الوقت . -في ظل ثورة التكنولوجيا والاتصالات التي حولت كوكبنا إلى قرية عالمية كما يقال، برأيك لماذا لم يعبر مفهوم القراءة البناءة إلينا؟ النفس الإنسانية تميل إلى الكسل، وبسبب عهود طويلة من الإبقاء على الشعوب العربية منكفئة على نفسها وعلى ماضيها، جعلها أكثر رغبة بالحصول على متع التكنولوجيا وتسلياتها بدلاً من إعادة بناء الفكر والوعي، وهنا يأتي دور الشباب الواعي والمثقف في إعادة بلورة هذه التقنيات لكي تخدم صالح الشعوب، وتنمي قدرتها الفكرية والتعبيرية، لكي تستطيع تغيير واقعها المهدم إلى مجتمع بنّاء ومتحضّر.
– حالياً تنتشر بكثرة عالمياً القراءة الصوتية، وبشكل قليل جداً بدأت عندنا، مفهوم القراءة الصوتية كيف سيؤثر على طقس القراءة المعتاد وعلى الملتقيات ؟
القراءة الصوتية، تقنية مبتكرة لكل من يرغب بالاستماع بدلاً من القراءة، وهي رغم سهولتها وسهولة استخدامها لا تغني عن الكتاب، فالقراءة الصوتية قد تضيق من أصوات الشخصيات في الرواية وتجدد بناء شخصية الرواي الأحادي الذي يحكي العمل بصوته، وفعله ,وقد يكون لها مكان ضمن أحد الجلسات، دون أن يتغير طقس القراءة والكتاب.
-يتهم العربي بغياب قراءاته النقدية والبحثية، فما زال يقرأ ماضيه في عالم تسارع خطواته منجزاته ، أين هو عقل هذا العربي برأيك؟
الماضي جزء من عقل العرب، ولا يمكن فصلهم عن تاريخهم للالتحاق بركب الحضارة الغربية، بل يجب أن يعيد استخلاص الماضي ليعمل على بناء حضارته على أسس حديثة دون أن يضيع هبات الماضي، وهو في هذه المرحلة الخطيرة يعيد قراءة نفسه في مقارنة طويلة بينه وبين الواقع الجديد. والقراءة ليس فعلا سريعا، وإنما هي تراكم كمي نوعي ومعرفي يولّد بذرة تطلق أبعاد حضارية قد تغير التاريخ وتعيد كتابته.
– في ظل هذه السنوات القاسية والحرب في سورية، كثرت الملتقيات الثقافية ومنها ملتقيات القراءة، كيف تمازج هذه الملتقيات ذاتها مع واقعها؟ وما هو السبيل لنهضة ثقافية تعالج الجراح؟
الملتقيات الثقافية محاولة لقراءة الواقع وفق أسس منهجية، تعتمد الوعي كأداة في فهم المتغيرات الحاصلة في المجتمع والطرق اللازمة لإعادة هيكلتها ضمن المنظومة المجتمعية، وقد تنجح في ذلك وقد تخفق لكن المحاولة تعزز قيمة التجربة البناءة، التي يُبنى عليها في أي تجربة حضارية قادمة، والقراءة هي الفعل الأساسي للثقافة، إنها الطريقة لفهم موقعنا من العالم، وإعداد السبل لحماية المكتسبات الحضارية الباقية من حرب تسعى لإفناء كل شيء نحمله ودفعنا نحو المجهول.
سلمى حلوم