الوحدة 14-12-2021
قبل خمسين عاماً, زرت مع عمّي بلداً (أفريقياً) يقع قبالة المحيط الأطلسي, وهناك وجدت بساطة الناس تتمدد على المأكل والملبس والمسكن, وكأنّ عين الحسد لا تصلهم ولا هم يحسدون, طيّبون حتى مع الكراهية, فتراهم يبتسمون ويضحكون دونما تكلّف, ولا يعرفون من يومهم الشاق سوى الاستمتاع بشروق الشمس وغروبها, مع تأكيد على أنّ مظاهرهم وملامحهم لوحاتٌ تنبض كأشهر معارض ومتاحف العالم يعطشون فيشربون كما تشرب الأرض من المطر, ويجوعون كما تجوع الساعة للوقت!
للسواد عندهم درجات, ومناسباتهم كجريان أنهارهم, مما يجعلهم يعشقون الألوان كلها, فتجتمع على ملابسهم وبيوتهم, كذلك تجدها على عربات النقل ومحطات الانتظار وعلى أسوار المنازل, حتى في التحيّات المتبادلة, فتجد من يقول للآخر: نهارك ورديٌّ, فيرد الآخر: نهارك أزرقٌ يغار منه البحر.
قبل مدة وجيزة عدت لذلك البلد القصيّ, تحيطني حزمة التعليمات الصارمة في التنقل والإقامة, والناس لا يكترثون بمن هم من غير جلدتهم وسمرة بشرتهم؟!
موظف المطار, لم يعجبه جوابي حين سألني عن سبب زيارتي, مع أنني لم أقل له سوى أنّ بلاده جميلةٌ وتستحق الزيارة, لكنه اكتفى بتوجيه ملاحظاته في التقيد والالتزام بالمدة المحددة المسموحة في الإقامة.
اختصرت رحلتي, وفي رأسي سؤال طرحه أحدهم عن أعداد مواطنيهم في بلادي؟
كأنه يفصح أنّ بلاده ليست للغرباء, مهما تشابكت الأسباب!
كم تغيّر هذا العالم من حولنا, وكم نحن عاجزون عن فهم هذا التغير؟
ما زال العربُ يعيشون (طروادة) جديدة, ومازالت بوّابتها تستقبل ألف حصانٍ خشبيٍّ كل يوم؟!!
أمّا مبرراتنا وأعذارنا فصارت خشبيّة هي الأخرى…
سمير عوض