كبة صوف وجمرة نار.. شتاء في كانون!

الوحدة:13-12-2021

ليس أجمل من نسج الصوف أمام جمرات النار الموقدة في مدفأة الشتاء تكسي جسد راتب انكمش وتكشفت عوراته من عوز وقلة حال, هذا ما جاءت عليه السيدة مديحة وهي ربة منزل ولم تشتغل بشهادتها الجامعية (جيولوجيا) بعد رفض زوجها التام للعمل, إذ أرادها سيدة لبيتها ليس غير وهو الرجل الذي يصرف على البيت والأولاد تقول :
كنا مرتاحين وكل ما نطلبه يأتي في الحال, لكن وقد جار الزمان ولم نبق على ذلك اليوم والوضع تأزم وضاق بساط معيشتنا الصوفي ولم يعد يستر الحال, مع أن زوجي العزيز صال وجال في أعمال إضافية ليرتق ثوب عيش كريم, ولم أعد أستطيع أن أعمل بشهادتي فلا وظيفة ولا تدريس, فما كان في يدي غير أن أعود لحياكة الصوف كما أيام زمان فقد تعلمت هذه الصنعة في مدرستي ثانوية الشهيد أمين أمين في ريف دمشق من معلمتي (رمزية) والتي كان نبع الخير يفور منها بما علمتنا إياه من خياطة وحياكة بسنارة وسنارتين, كما كانت والدتي تحيك الصوف وأخي الصغير يلعب بكبة الخيوط وهي تسامر والدي في المساء, وقد عزفت عن العمل لسنين عدة كما غيري من السيدات لتوفر كنزات الصوف والطواقي والجوارب وغيرها بأسعار مناسبة وميسرة للجميع دون تعب,وكادت هذه الصنعة أن تندثر بطي النسيان, لكنها اليوم وللحاجة و كثرة الغلاء وقلة الحيلة كان الرجاء بالعودة إليها لما فيها بعض العيش ولو كان قليلاً, إذ إن كبة الصوف الواحدة بأدناها في السوق بخمسة آلاف ليرة وما فوق ومنها وصل إلى 12 ألفاَ وأنت في صعود بكبات الصوف المخملية وغيرها من أشكال وألوان, وقد ظهرت في الأسواق اليوم أشكال من الأحذية الصوفية سعرها 13 ألف ليرة وجاكيتات صوفية قصيرة بوردات تأرجح سعرها بين محل وآخر (35_50) ألف ليرة وليس فيها شغلها أكثر من أسبوع واحد وأقل لسيدة مشغولة كثيراً بأمور البيت والأولاد, لكن يمكن أن تستهلك صوف بسعر الأسواق ما يفوق 20ألف ليرة ليكون الفرق فيه بعض الوفرة للبيت وأنت جالسة بين الأولاد وفي البيت مع الزهورات وفنجان القهوة والشاي بين اليدين مع دفء جمرات حطب موقد نار كانون, ولا تحتاجين للخروج والتعرض لكورونا ونزلات الشتاء أو قصد الوظيفة وغير الأشغال التي تتطلب مواصلات ومكياج يومي ومصاريف أخرى للبريستيج, والصوف الجديد نستخدمه فقط لأجل البيع بتوصية الجارات أو الأقارب وغيرهم, أما إن كان للأولاد الصغار وللباس البيت فيمكن أن نلجأ للبالة وننقب بين كنزات الصوف في السلة لأنها الأرخص أو غيرها عن بعض كنزات جيدة ويمكن حل خيوطها لنأتي بها ونغسلها وبعد أن تنشف وتجف نفك خيوطها ونبخرها لتستوي الخيوط وبعدها نبدأ حياكتها بأي شكل نريد ولا تكلفنا غير ثمن كبة صوف من السوق .
الحياة صعبة والوضع الاقتصادي الأسري أصبح لا يطاق, وقد ضاقت الدنيا علينا وأطبقت ظلالها, وليس لنا وسيلة بغير ما تعلمنا من تجارب الآباء وصنعاتهم, لم أكن يوماً قد فكرت بأني سأحتاج هذا العمل, ولكن شاءت الأقدار والله يفرجها على الجميع ونقول : الحمد لله على كل حال .

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار