الوحدة : 1-12-2021
الشعر سيد الفنون وسلطانها منذ الأزل, وهو إحدى السمات الإنسانية التي تشتغل عليها روح الإنسان محركة المشاعر وملهبة الجسد, حاضر في وجدان الناس وأفضل وسيلة لملامسة الأشياء كلها, حالة إبداعية منفلتة من كل قيد تبرئها جوانية الكائن البشري المفطور على تلقي وإعادة إنتاج الجمال, وما دام الكائن البشري موجوداً فإن الشعر هو أحد أدواته ولغته الراقية.
الشعر هو الذات الإنسانية في أرقى تجليات الروح ينبع من غربة ووجع الذاكرة, وضرورة إنسانية بما يلبيه من حاجات عميقة ومتأصلة في النفس البشرية يلامس حياة الناس ووجعهم ومشكلاتهم وهموم الوطن في السلم والحرب, لمناصرة الفكرة والعاطفة والخيال والنظم والأسلوب والوضوح والغموض بقيم ابداعية جمالية, وسيظل الشعر موجوداً ما دام نهر الحياة هادر الجريان.
ليس هناك تعريف مانع قاطع للشعر, فهو رسالة منغرسة بدم ونبض دافق متجدد, حالة حركية تفرض السؤال والتعجب والدهشة تقوم على الحس والشعور والعقل والقلب وشرارة نبضه يتميز عن غيره من الأجناس الأدبية الأخرى بالخيال وقوته وجودته, الخيال القادر على المفاجأة ومنح المتعة والإدهاش, حتى أن رداءة القصيدة تأتي من ضعف الخيال ومحدودية أجنحته على التحليق والسمو, والشاعر الذي لا يملك خيالاً متميزاً منفتحاً لا يمكنه الارتفاع والتحويم في فضاءات الشعر والإبداع.
الكلمة معنى جمالي ودلالي تهدف إلى إيصال رسالة ما وهي مرآة الذات وانعكاس إشراقي للأعماق ودلالة على ما يستوطن العقل والقلب والروح ومظهر رائع يتوافق مع المضمون,
هناك شعراء يكتبون بالتفعيلة ويزاوجون بين الحداثة والقدامة ويطعمون قصائدهم بروح الموروث الجميل وعندما يتثاءب النص الشعري تحت عباءة الأيدلوجيا يغدو بياناً سياسياً يفقد الكثير من جوهره ومعناه.
الشعر يصنع من الشخصيات والحكايات جسداً مشتركاً ينفخ فيه الشاعر من روحه ويترك بصمته الخاصة عليه, والنص الشعري الغامض يحمل تأويلات ومعان مختلفة ومتعددة تذهب فيه النفس كل مذهب, نظرية جمالية جديدة لا تعتمد على الوضوح الشفوي الجاهلي لمعيار الجمال والقياس والوزن, وإعطاء الأولوية لحركة الإبداع والتجربة وتجاوز الموروث بآفاق ملتبسة بالأوهام والإلهام.
النص الغامض هو إغراق في الخيال أكثر مما هو إغراق في الحقائق والواقع والوقائع فيه الكثير من الغموض وانعدام التحديد ما يقبل التأويلات المتناقضة والتلاعب بالألفاظ والفك والتركيب والكثير من الحشو والزيادة في الكلام الذي لامعنى له والإشارات والقليل من الكلمات المفهومة وتعقيد اللغة وتشكيل عاصفة من الغموض والتشويش الضار الذي يجعلنا نتوق للصمت, خطاب رنان كأنه سراب غيوم بلا مطر, وثرثرة فارغة تحمل الهذر الذي لا يثمر.
النص الغامض تحوطه غمامة من الضباب الكثيف, لا يعمل العقل ولا يقدم رؤى واضحة, وعملية الإبداع المفتعل تترك المتلقي في مناخ من العتمة والإبهام… علينا الارتقاء بالشعر والشعرية لتطوير الذائقة العامة للجمهور, لا الهبوط المجاني إلى مغازلة الغرائز الشهوانية بذريعة القرب من القاع.
نعمان إبراهيم حميشة