الوحدة 30-11-2021
سيجد متابعو الأدب والمغامرة ضالتهم المميزة بهذه الرواية المؤلفة من ١٥٩صفحة وهي أول عمل للكاتبة عفراء مخلوف، لذلك دائماً الأعمال الأولى تكون جريئة فريدة من نوعها حيث ابتعدت فيها عن الحذر وطرحت الكثير من العواطف وتجاوزت الواقع والقيود حين خاضت فيها تفاصيل جريئة واستباحت المحظورات في المجتمع الشرقي في الحب وكسرت القوانين التي فرضتها التقاليد والأعراف وألسنة المجتمع الجارحة بهدف الوصول إلى السلام الداخلي للبطلة، وأثبتت من خلال بطلة القصة عليا أن القلب والعقل يهوى ويحب من يهتم به بالفعل لا بالقول، وأن عشق المراهقة يزول عند الزواج وأن القلب يزهر مع من يدلل الروح ويعشقها والحب القديم يصبح مجرد ذكرى في البال وتجربة مضت (فالحب العذري يبقى أثره الجميل، لأن نهايته مفتوحة، ولو تكلل بالزواج ومتاعب الحياة اليومية لتحوّل إلى ذكرى عادية وانتهى بفشل محتم فهو حب انجذاب بلا أسباب. أما حب القلب فإنه إذا تناغم مع العقل يصير أبدياً قوياً مهما اعترضته أعاصير الحياة يحافظ على ثباته فيصمد… ) تتناول الكاتبة عفراء روايتها بسرد عفوي بسيط وواقعي للأحداث بعيداً عن التكلف والألغاز والوصف الكثير ولكنها اعتمدت لغة المشاعر لتصل لقلب القارئ فيشعر بأنه هو المعني بالأحداث ويتفاعل مع كل حادثة تطرأ كأنها حياته وليست رواية، تحكي الرواية قصة شابة اسمها عليا لقبت نفسها أنها بنت من بنات القمر (أنسيت! أنني بنت من بنات القمر أعشق الحريّة ولي طقوس سحرية أموت وأحيا بالسهر وعندما تشرق الشمس أصبح جنية نور أنهض بكل حبور لأتجانس مع الواقع بصبر جسور..). وسبق وقدمت الكاتبة عفراء تعرفة ببنات القمر في بداية الرواية وهنّ بنظرها الفتيات النقيات القويات المتمردات المعطاءات اللواتي ينشرن الفرح والجمال أينما كنّ. كانت بداية الرواية تحكي قصة البطلة عليا التي أحبت شاباً اسمه نيزار لا يناسبها بطبعه المغامر ومن ثم ينتهي بها المطاف بالانصياع للعقل وقراراته لتتزوج من شاب يدعى فادي يكن لها مشاعر الحب والاخلاص وتدخل في دوامة كبيرة بين الماضي والحاضر بين العشق والذكريات وبين الأسرة والزواج والالتزام وخصوصاً أن زوجها فادي كان على علم تام بعلاقه عليا السابقة وبحبها الكبير لنيزار فكان مثالاً للرجل المحب والمضحي وتتوالى الأحداث لتنجب عليا طفلين( شمس وكريم) وبدون سابق إنذار تعاني عليا من مرض عضال تضطر إثره أن تفقد جزءاً من جسدها وهو الأهم لأنه يبرز معالم الأنوثة لديها ( الثدي) فكانت الصدمة كبيرة على العائلة وعلى عليا نفسها فأصبحت في صراع مع نفسها ولكن محبة الزوج والأولاد لها جعلاها تتخطى محنتها وتتجاوز آلامها لتعود مغامرات الحب فتعترض طريقها وتلهيها عن وجعها.. تتعاظم الأحداث لتعيش البطلة الواقع الأليم الذي مرت به سورية في الواقع وهو تعرض حبيبها نيزار للأسر لدى الإرهابيين وتعرض الكاتبة عفراء في روايتها الخوف والضغوطات التي يتعرض لها الشباب والأهل ممن هتكوا الأعراض وعاثوا في البلاد القتل والفتنة والتدمير وخربوا بلاداً كان يعمها الأمن والسلام وتتوالى الأحداث لتعيد الأمل للرواية بعودة نيزار من الأسر وزواجه وإنجابه ولداً، ومن ثم تطرح الكاتبة فكرة الهجرة التي باتت تهدد الجيل الشاب الذي يحاول الهروب من الواقع ومن ضغوطات الحياة فابنة البطلة شمس تسافر للدراسة خارج سورية وتعيش مثل أمها تفاصيل حب كبير تخرج منه بعلاقة عقلية وتختار العقل بدلاً من القلب وتخرق العادات والأعراف بزواج مدني وتشرح الكاتبة المعاناة والضغوط في مثل هذه الحالة وخصوصاً أن بلادنا كحال كثير من البلاد العربية لا تعترف بمثل هذا النوع من الارتباط فيضطر الزوجان للسفر إلى دول غربية تعترف بزواجهما للإنجاب والزواج وتسجيل الأبناء.. وفي الختام تترك الكاتبة عفراء باب الأمل مفتوحاً فبالحب صنعت روايتها وفيها نصرته على الظروف وعلى المجتمع وقيوده وختمت به متحدّية الظروف والواقع.
… .
رهام حبيب