لأجل مصلحتك الخاصة.. التربية السامة وأثرها السلبي على الأطفال

الوحدة:29-11-2021

(لا يستحق الأطفال أي احترام ببساطة لأنهم أطفال..) مثل هذه المفاهيم والمعتقدات التي يتبعها الأهل في تعاملهم مع طفلهم غالباً ما تهمش شخصيته وتترك تأثيراتها السلبية على بنائه النفسي، فينشأ غير واثق في نفسه، أو ناقماً على ما تلقاه من سلوكيات تربوية تركت أثرها النفسي مدفوناً في أعماقه، هذه الظاهرة الاجتماعية كانت محاور كتاب حمل اسم : (لأجل مصلحتك الخاصة) لآليس ميلر، وضعت فيه الكاتبة قواعد التربية في مجموعة تحت عنوان: التربية السامة، أما العنوان الفرعي لكتابها فهو: الوحشية المختبئة في تربية الأطفال وجذور العنف، وفي هذا الجانب حرصت ميلر على أن تبرهن على أن التربية السامة هي شكل من أشكال العنف والاعتداء على حقوق الأطفال، وهذه الانتهاكات يعاد استخدامها وحدوثها مرة أخرى حين يكبر هؤلاء الأطفال ويصبحون آباء وأمهات.
وحسب تعريفها لهذا النوع من التعامل مع الأطفال، أوردت الكاتبة أن التربية السامة تعني مفهوم الطاعة (وتعتبرها أسمى القيم) ثم يلي الطاعة: النظام، والنظافة، وضبط المشاعر، والرغبات، ويُعتبر الأطفال – جيدين – عندما يفكرون ويتصرفون وفقًا لأسلوب التفكير والسلوك الذي علمهم إياه والداهما، ويكونون أبناء فاضلين إذا كانوا يوافقون دائماً على ما يقوله الأكبر سناً منهم مع مراعاة مشاعر الآخرين، وكلما تمكن الآخرون من رؤية الطفل دون سماع صوته إلا عندما يوجه إليه الحديث كلما كان بنظرهم الطفل المثالي والمميز.
وفي القسم الثاني من الكتاب لخصت ميلر التربية السامة في النقاط التالية: إذ تقوم هذه التربية على أن الكبار أسياد الطفل المعتمد عليهم فهم يحددون بأسلوب يشبه الحكم الإلهي ما هو خطأ وما هو صواب، وهذا النوع من التربية يعتبر الطفل مسؤولاً عن غضب البالغين. ويجب أن يكون الأهل في دائرة الحماية (بأخطاء غير مكشوفة للآخرين)، كما أن مشاعر الطفل التي تؤكد وجوده تمثل تهديداً للآباء المستبدين. لذلك لا بد من كسر إرادة الطفل في أسرع وقت ممكن، وكي يتحقق هذا الأمر بنجاح يجب أن تحدث كل هذه الأمور في سن مبكرة جداً للطفل حتى لا يدركها أو يلاحظها الطفل وحتى لا يكون أيضاً قادراً على الاعتراض.
فإذا تم اتباع هذه القوانين في العائلة، ينتج عن نظام القوانين هذا سيطرة مطلقة من أحد الفريقين (الوالدين) على الفريق الآخر (الأطفال)، وللأسف أنه في مجتمعنا الحالي، لا يستطيع أحد أن يتدخل لصالح الطفل إلا في الحالات الشديدة التطرف من الإيذاء البدني أو الجنسي. وفي الواقع، فإن العديد من الهيئات الاجتماعية تقدم الدعم المطلق لهذه المعتقدات، كما تعززهم مدارسنا. وفي بعض الأحيان يفرضهم نظامنا القانوني بالقوة.
أما الجانب الآخر للتربية السامة فقد رأت الكاتبة أنه يتم نقله للطفل منذ الصغر، على هيئة معتقدات ومفاهيم خاطئة تنتقل من جيل إلى جيل (ما يُسمى بخطايا الآباء). وأشارت ميلر لأمثلة عن هذه المفاهيم والمعتقدات: كالشعور بالواجب ، إذ يستحق الوالدان الاحترام لأنهم آباء . أما الأطفال فلا يستحقون أي احترام ببساطة لأنهم أطفال. فالطاعة تقوي الطفل. وعلى عكس الصورة الذاتية ذات الدرجة العالية المؤذية للطفل ، فإن الصورة الذاتية المنخفضة الدرجة تجعل الشخص محباً للغير. فمن الخطأ تلبية احتياجات الطفل لآن اللطف والرقة مضران. وفي المقابل فإن الصرامة والبرودة في التعامل مع الطفل تعده جيداً لمواجهة الحياة. أما أهم المعتقدات التي يجب أن تورث فهي : أن الأهل مخلوقات خالية من الأخطاء ، فالآباء دائماً على حق.
وفي نهاية كتابها خلصت الكاتبة ميلر إلى القول بأنه : ربما لا يوجد آباء في الوقت الحالي يجسدون كل النقاط المذكورة أعلاه. بل إن بعض الآباء افترضوا صحة الاتجاهات المعاكسة تماماً لهذه المعتقدات ، لكن المؤكد أن معظم هذه المفاهيم حملها الآباء في لا وعيهم وطبقوها في أوقات الضغوط والأزمات. والحقيقة هي أن الأهل ليست لديهم فرصة كبيرة لاختيار أو رفض هذه المعتقدات إلا أن يعملوا على تحسين علاقاتهم هم أنفسهم بوالديهم وتتضح لهم حقيقة هذه العلاقات ومن ثم العمل على تغييرها بالشكل الأمثل.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار