الوحدة 26-11-2021
الثقافة هي عمود كل شيء ورأسه, عندما تزدهر تسري عروق الحياة بكل شيء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحضارياً, هي غذاء الروح كما رحيق الورود غذاء النحل, وهي المخزون الحقيقي لكل أمة ولها الدور الأهم في إبراز هوية المجتمع والحفاظ على تراثه الحضاري الذي بناه عبر القرون. تعاني أمتنا حالياً من البؤس الثقافي والتشتت والتشرذم والفوضى وإفلاس النخب الثقافية والعولمة تريد أن تقتلع البشر من جذورهم, ونحن مازال لدينا أناس يدافعون ويروجون للسحر والشعوذة والدجل والأوبئة الأخلاقية والتقنيات الكاذبة, مطمئنة راكنة إلى المسلّمات والغيبيات وكأنها خارج العصر وغير فاعلة فيه.
النضال الثقافي ضروري للنهوض بالأمة وحمايتها من الاندثار والذوبان والعدمية ونبذ الأحقاد والحروب وتعصب الأديان ,هو شرارة غضب على كل من يسعى للنيل من الوطن وترابه, نضال بالكلمة الجريئة الغاضبة المحملة بالكثير من القيم الانسانية والوطنية والجمالية حباً بالوطن ولعنة للعدو, والتسلح بالشجاعة لكسر القيود التي تصادر حريتنا وتكبّل حركتنا وتقمع أنفاسنا وتمزيق الأردية البالية الموروثة والخرافة وترهات المتعصبين التي أكل الدهر عليها وشرب وتجتر مستقبلنا الآن, وهز شجرة الموروث العفن بقوة واسقاط ما فيها من ثمار منخورة وتقليم أغصانها الجافة اليابسة وحرق جذوعها الميتة وإعادة صياغته بما يتناسب وواقعنا وظروفنا الراهنة مع الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة وخصوصياتنا الاجتماعية والوطنية والقومية للانطلاق إلى مستقبل أرحب وأفضل وبناء وطن تسوده المواطنة وسيادة القانون, خال من الشوائب والأحقاد المضمرة والحروب الصامتة وكوابيس الخوف والوجع والقهر .
نحن بحاجة إلى فعل ثقافي يسد منافذ الفوغائية التي هي بوابة مشاكلنا ويمزق البؤس السياسي والاجتماعي في واقعنا الراهن, وتنوير وتثوير المجتمعات العربية لأنها ما تزال راكدة ومهددة من الذين يحاولون استبدال الدستور بالشريعة, ونشر الوعي مقابل اللاوعي وكل ما يقترب من النفس من رهاب وعصاب, وشن حرب شرسة لا هوادة فيها ضد الجهل والخرافة والتفكير الغيبي واللاعقلاني والغبي ونبذ الأفكار العمياء المغرقة في الهمجية والبدائية ومحاربة أصحاب الأفكار الصنمية والأفعال الانتهازية والأوثان القابضة على عقل الإنسان ورزقه وحياته وقيمه والقصاص منهم لنشر قيم المحبة والخير والجمال وتقوية حسن الانتماء للوطن وعدم المساهمة في تخريبه..
المثقف مسكون بهم وطنه وأوجاع وانكسارات بلاده, هو لسان حال المجتمع وصوت ضميره وقلم الحق الذي يدافع عنه, مدافع عنيد عن اعمال سلطة العقل وصاحبه مبادئ لا يحيد عنها يصعد بخياله لاستبصار ماوراء المحطات القصية ويغوص في سراديب الحياة لينبش خفاياها وينير ظلامها وينفض ما علق بعقول أفرادها من غبار الأفكار وهلام الرؤى والسعي لخلخلة اليقينيات الكاذبة وفضح وجوه ضياع العتمات وطرح الأسئلة في وجه الأجوبة المعلبة الجاهزة القاهرة وتشجيع التفكير العلمي السليم على التغلغل في أذهان الناس وحياتهم العامة وتحريك الفكر الوطني التقدمي الذي تقهقر كثيراً في البلاد العربية … وهل أجمل من قول الشاعر المصري أمل ونقل الذي أنهى حياته انتحاراً احتجاجاً على موت الشارع المصري والعربي : ( إن نطقت مت , وأن سكت مت, فقلها ومت ) علاج الآفات التي تعاني منها مجتمعاتنا لا تقبع في رؤوس النائمين في كهوف الظلام الذين لا يتقنون قراءة الواقع وتناقضاته وصراعاته والقوى المؤثرة فيه.. نحن ضد المثقف الذي يجلد ذاته وينزوي في ركن قصي مهجور يجتر خيباته ,وضد المثقف الذي يسوغ النهاية والمصير ويلوم الزمان والظروف القاهرة, وضد المثقف النطاط من حبل إلى حبل الذي يغيّر عقيدته واتجاهه كما يغير جواربه وأحذيته , وضد المنافق الذي يدعو لوأد الحقيقة حية ووأد كل من يحاول نبش قبرها .
مجتمعاتنا العربية ليست مثالية لها أمراضها ومواطن ضعفها وقصورها, وجراحاتنا مكشوفة بادية كعين الشمس, فعندما نغطي الجرح نساهم في تعفنه… علينا كشفه وتطهيره ومعالجته كي يشفى, وعندما يخرس المفكر والمثقف والأديب ينطق الجاهل والمنافق والفاسق والخائن تحت راية وبحماية الغرب الاستعماري الهمجي الذي يفتك بالشعوب الفقيرة ويبتلع خيراتها ويتحكم برقاب أبنائها باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.
نعمان ابراهيم حميشة