الوحدة:21-11-2021
يقول نيتشه (لدينا الفن كي لا نموت من الحقيقة) فكيف إذا كانت الحقيقة هي تلك الإنسانية التي ما فتئت تجادل بعضها بقسوة، لهذا كان الفن وسيبقى نافذة إلى الحرية وبوابة إلى الحقيقة، وللإنسان وتاريخه لسان حال عبّر عنها بمجالات تعبيره المختلفة ومنها الفنون بأشكالها المتعددة والمتجددة تصوغ به الهيئة والهوية وترسم ملامح هذا الإنسان في كل عصر، الفن الدرامي المسرحي باب من أبواب الفنون يبادل خشبته مع تفاصيلنا وأحلامنا ورؤانا لنكون أو لا نكون.
حول مقولة الفن عموماً والمسرح خصوصاً كان لنا هذا الحوار مع الفنانة والكاتبة لينا نبيعة (ريم) أحد العقول السورية المبدعة، ممثلة مسرحية في المسرح القومي، شاركت في العديد من الأعمال المسرحية منها (الأميرة القبيحة، ليلى والذئب، وغيرهما الكثير) كما أنها عملت كمساعد مخرج في العديد من الأعمال المسرحية ومنها حفل افتتاح مهرجان المحبة وشاركت بعدة أعمال تلفزيونية (ليل المسافرين، لعنة الطين، أمواج، وغيرها)، وفي السينما شاركت بفيلم (ما يطلبه المستمعون، العدادون)، ومع التميز لا بدّ من احتضان بعض الوقت في حوار معها…
– من خلال الفنون تقاس حضارة الشعوب وإبداعها، الفن السوري وبفرعه الحركي الدرامي كيف ترينه وتقيمينه؟
نعم من خلال الفنون والثقافة تقاس حضارة الشعوب، هذه العبارة بمفهومها الواسع والعظيم لا أدري إن كان لها ذاك الوزن التي كانت تحمله على مر العصور، سورية أم الحضارات، نحن أصحاب الأبجدية وأول نوته موسيقية، فالجدير بنا أنا نحافظ على هذا الإرث ونطوره لا العكس، لدينا كم كبير جداً من الإنتاج الثقافي والفني ولكن لم يكن يوماً الكم هو المقياس للجودة، فعندما يتحول الفن لتجارة تلغى مقايس الجودة من وجهة نظري وربما المسرح مازال بمنأى قليلاً عن هذا ولكن حالته الصحية ليست بجيدة.
– إذا كان المسرح أداة هامة من أدوات تكوين الوعي، ماهي العوامل التي تساعده على بلوغ الهدف، وماذا ينقص المسرح السوري لفاعلية حقيقة مؤثرة؟
ليس محض صدفة تسمية المسرح بـ (أبو الفنون) فهو الحاضن لكل الفنون ويلعب المسرح في حياتنا العديد من الأدوار، فالمسرح دوره التثقيفي الهام والتربوي الأهم والثقافي والفني، كل هذه الأدوار لا تكون فاعلة مالم تلقى الاهتمام والدعم المعنوي والمادي من قبل المعنيين، فالمسرح بحاجة لكوادر مختصة وصالات عرض وممثلين أكفاء وأجور توازي التعب والجهد المبذولين على تلك الخشبة التي هي روح الفنان وعالمه.
– الدور التنويري الذي تحتاجه مجتمعاتنا، كيف يمكن للمسرح أن يقوم بمقاربة حثيثة ترفد الدور التنويري؟
كان ومازال للمسرح دوره التنويري ،منذ تكوينه كان يعتبر منصة تثقيف وتنوير وتغيير، وأكبر شاهد على ذلك كيف حورب أبو خليل القباني لما كان لمسرحه دور تنويري توعوي, فالفن عامة والمسرح خاصة لا ينسلخ عن حالة مجتمعه، والفنان هو رمز وقدوة يحتذى به.
– يقال إن الفن شكل من أشكال الحرية لأنه يحمل طرق التعبير عن الذات، هل حمل المسرح عندنا الذات السورية؟
الحرية مفهوم نسبي بالنسبة للشعوب, ولكل منا حريته التي يدافع عنها، ربما حاول المسرح من أيام الماغوط أن يعبر عن همّ الشارع السوري وحتى في يومنا هذا هناك محاولات مبطنة تطرح قضايانا ولكن من وجهة نظري هناك للأسف اجترار للحدث ( يعني لا شيء جديد ولا شيء يتغير )، ربما على صعيد الفنان وذاته هناك رضى نوعاً ما بسبب مساحة الحرية التي قد تصغر أو تكبر فهي متنفس للعديد من الفنانين.
– ما هو تأثير عصر التكنولوجيا والانترنيت على المسرح وأدواته، بشكل خاص وعلى الفن بشكل عام؟
لا احد يستطيع أن ينكر الدور الفعال والمؤثر للتكنولوجيا على جميع مجالات الحياة والفنون, فكل ما تريده من فن وثقافة وآداب ومعلومات بلحظة يكون حاضراً بين يديك, ولكن من خلال تجربتي الحية في مجال المسرح, أنا ما زلت متفائلة بجمهور المسرح, فبالرغم من كل التطور التكنولوجي، مازال رواد المسرح على عهدهم معه وخصوصاُ مسرح الطفل وهذا حقيقة ما يفرح القلب.
– ما زال الجمهور السوري يقبل على المسرح وبشغف، رغم كل الظروف المؤلمة التي يعيشها، ما رأيك بذلك؟
جمهور المسرح كان ومازال وفياُ لعروضنا المسرحية وحقيقة هو ما يعول عليه فعندما تمتلئ صالة المسرح بالجمهور وعندما أتلقى العديد من الرسائل للسؤال عن وقت العرض وعن جديدنا المسرحي ينتابني شعور لا يوصف ومشاعر نبيلة، فرغم كل الظروف الضاغطة التي يعيشها المواطن السوري ورغم التطور التكنولوجي وعالم النت إقبال الجمهور أكثر من رائع والحمد لله حالة صحية وصحيحة.
– دروات التمثيل التي تقومون بها، كيف ترين الإقبال عليها؟
فكرة دورات التمثيل كانت مناصفة بيني وبين الفنانة هيام سلمان كمبادرة لأطفال (جمعية أرسم حلمي الفنية), في البداية لم يكن هناك إقبال من الأهل أولاً ومن الأطفال ثانياً، وخلال وقت قصير جداً ازداد عدد الأطفال بطريقة رائعة والأهالي تفاعلوا معنا وهذا ما نحن نصبو إليه، أطفال يتعلمون فن المسرح ويدخلون هذا العالم المجهول.
– ماهي المشاريع الحالية والمستقبلية التي تعدين لها؟
الآن هي فترة استراحتي السنوية، فمنذ شهر عرضنا مسرحية (كلب السفير) إخراج الفنان فايز صبوح ومنذ مدة تم عرض مسرحية من كتابتي وإخراجي وأبطالها هم أطفال (جمعية أرسم حلمي الفنية) في مهرجانهم السنوي السادس، وبعد فترة الاستراحة سأبدأ بدورة مسرحية جديدة للأطفال وانتهيت من تصوير فلم قصير من إخراج مجد قاسم (عندما تغرب الشمس) من بطولتي أنا والفنان فايز صبوح.
– يقول نجيب محفوظ: يتساءلون عن سر ازدهار المسرح! أتدرين ما السر
السر أننا صرنا جميعاً ممثلين! هل حقً وصلنا إلى هذه المرحلة؟
لا أعلم إن كان يريد نجيب محفوظ بهذا القول مدح الحالة أم ذمها أن نصبح جميعنا ممثلين فهذا شيء عظيم بمعناه الإيجابي كلنا نمثل على خشبة الحياة الكبيرة، أما أن نعيش حالة من التمثيل في حياتنا اليومية فهذا جنون، ستأتي اللحظة التي نستفيق بها من هذا الحلم ونسقط بأحضان الواقع اللعين كما يحدث معنا كممثلين على خشبة المسرح.
سلمى حلوم