الوحدة : 18-11-2021
عبر حالة التأثير والتأثر تعد الترجمة خير وسيلة لبناء جسور مع العالم ومعرفة ما يدور حولنا، ولطالما كانت دائماً عاملاً إيجابياً في نهضة الشعوب وتقدمها.. وهذا ما تؤكده المترجمة والأديبة ثراء الرومي من خلال أعمالها التي ترى فيها وسيلة تنقلنا إلى عوالم وثقافات فيها الكثير من الدهشة والمتعة وتتحول في أغلب الأحيان إلى حالة تماه مع النص فتغنيه وتصبح أكثر قوة. مشيرة إلى أن كل شيء جديد تترجمه يضيف إليها شيئاً جديداً من ثقافة الآخر وقد يكون هذا الشيء مهماً – وإن لم يكن مهماً – فهو يقدم لنا المعرفة بثقافات الآخرين.
حول تجربتها الأدبية وحول الترجمة – أهميتها ودورها- في إغناء صنوف الأدب المختلفة ( والمنظومة الإبداعية بشكل عام ) بكل ما هو جديد وممتع، كان لـ جريدة الوحدة – لقاء مع المترجمة والأديبة ثراء الرومي ، فكان الحديث الآتي : – بداية حدثينا عن تجربتك الشخصية في مجال التجربة كيف بدأت وإلى أين وصلت؟
بدأ شغفي بالترجمة بالتزامن مع سنوات دراستي الأولى في قسم اللغة الانكليزية، حيث ترجمت قصصاً قصيرة لجاك لندن ومارك توين وبعضاً من المقاطع الشعرية، وحظيت بتشجيع كبير ممن قرؤوا نصوصي من مختصين أكدوا أن كوني كاتبة وشاعرة يعطي ترجمتي صبغة أدبية تعزز ضرورة المضي قدماً في هذا الطريق. لكن انصرافي إلى دراسة الماجستير في الأدب الانكليزي جعل انخراطي في عالم الترجمة والنشر يتأخر نسبياً إلى أن وجدت الفرصة المؤاتية فبدأت الترجمة في مجلة – جسور ثقافية – وفي مجلتَي الأطفال الأثيرتين أسامة وشامة. وخلال فترة الحرب وانصرافي إلى تربية أطفالي المتقاربين في العمر، بدأت مشروعي في ترجمة أول كتاب. فكنت أرقب بزوغ الفجر وأنا أحاول إنجاز ترجمة سيرة ذاتية ملهمة لرجل أعمال باكستاني مقيم في الإمارات، ويمكن اختزالها بأنها قصة نجاح منقطع النظير. وقد أبصر هذا الكتاب النور وصدر عن دار ممدوح عدوان بعنوان : ( الحقيقة دائماً تسود ) . وحالياً صدرت لي ترجمة قصائد للشاعر الهندي رابندرانات طاغور في العدد الأخير من مجلة – جسور ثقافية – وترجمت رواية عالمية بعنوان – أمينة المكتبة – ستأخذ طريقها إلى النشر قريباً ضمن خطة الترجمة التي أطلقتها هيئة الكتاب السورية وأعتز أنني شاركت بها.
هل الترجمة فن قائم بذاته؟
وهل يمكن أن نعدها ضرباً من ضروب التأليف؟
لا شك أن الترجمة فن ذو خصوصية متفردة، لكنه جزء لا يتجزأ من المنظومة الإبداعية، وبهذا فهو يكمل الفنون الأخرى. ومقولة :إن ( المترجم هو كاتب آخر للنص ) ملفتة من حيث تركيزها على قدرة المترجم على تقديم نص لا يشعر معه المتلقي بأنه خاضع للترجمة، بل يوحي أنه من بنات أفكاره. ويبقى الهاجس الأوحد لدى كل مترجم أن يتوخى الأمانة ويحيد تحيزه إلى الكتابة بأسلوبه الإبداعي الخاص بذكاء، فلمسات المترجم لها أهميتها شريطة ألا تطغى على أسلوب المؤلف الأصلي للنص.
إلى أي مدى تلعب الترجمة دوراً في عملية التلاقح الثقافي؟
لولا الترجمة لما تمكنت الشعوب من تبادل ثقافاتها المتنوعة وإغناء ذائقتها عبر حالة التأثير والتأثر. إنها – سفير فوق العادة – بين الأمم تخلق حالة تواصل دائمة عبر جسور اللغة التي تمتد بين الحضارات لترتقي بالفكر والإنسان. –
هل تعد الترجمة حاجة ملحة وضرورية في حياة الشعوب؟
بالتأكيد هي حاجة سامية ولا غنى عنها كحجر أساس في بناء ثقافة معرفية لكل الشعوب. فالآداب والفنون المترجمة شكلت وعينا ورسمت ملامح إدراكنا وأبجدية ثقافتنا من ألفها إلى يائها، بالتوازي مع إرثنا العظيم الذي نغرف منه عبر اللغة العربية والأدب العربي العريق، لنكون ما نحن عليه الآن.
إذ لا يمكن لأي منا أن يعزز مكتسباته من العربية الأم دون الاطلاع على أمهات الكتب المترجمة من الثقافات الإغريقية واللاتينية التي ترفد كنزنا المعرفي بالمزيد والمزيد.
ولعلّ المرجعية الأولى في فنون المسرح وعلومه تكمن في ما نقل إلينا عبر الترجمة من أعمال المبدع العبقري وليم شكسبير وسواه من أساطير الفكر والفن.
باختصار، الترجمة فعل حضاري بامتياز، كما أنها سلاح يحصننا في مواجهة الكثير من التحديات عبر معرفتنا لآلية تفكير الآخر واستراتيجياته انطلاقاً من مبدأ
( اعرف عدوك) . والجدير بالذكر أن ثراء الرومي مترجمة وتكتب الشعر وأدب الأطفال، ومن مؤلفاتها في الترجمة : سيرة ذاتية بعنوان (الحقيقة دائماً تسود) لكاتبها صدر الدين هشواني عن اللغة الانكليزية وفي الشعر: كتاب (بسيم في كلمات) رثائيات في رؤى شاعرة.
ريم ديب