الوحدة:15-11-2021
كانت العرب تطلق على أنثى الضبع اسم (أم عامر)، ويحكى أن جماعة من العرب خرجوا للصيد وطاردوا في صيدهم ضبعة فرت من سهامهم وانطلقت وخلفها تعدو الجياد في وقت كان جوه قيظاً وحراً شديداً حتى إذا أتت الضبعة بيت أعرابي دخلت فناءه وقد أعياها التعب والعطش، ولما رأى الأعرابي ما حل بالضبعة خُيَّلَ إليه أن الضبعة دخلت داره مستجيرة به ولائذةً حِماه فخرج الرجل على الصيادين شاهراً سيفه وقد بلغ الغضب منه كل مبلغ فقالوا له طريدتنا ونريدها فقال: قد أضحت في جيرتي فوالله لا تكون لكم ما دام سيفي في يدي، فلما رأى القوم حمية الرجل واستبساله في إجارة الضبعة آثروا الانصراف على متابعة خصام قد يفضي إلى إراقة الدماء من أجل ضبعة!
عاد الرجل إلى أم عامر فوجد أن الجوع والعطش والتعب قد أخذوا منها كل مأخذ فقرر بشهامته وفطرة الطيبة في نفسه أن يكمل معروفه مع أم عامر التي استنجدت به فحلب شاته وسقاها إلى أن بدأت بوادر العافية تعاودها فتركها ونام قرير العين فرحاً بما فعل وقدم وأحسن، لكن الضبعة بما تحمل من غريزة الافتراس والتوحش انقضت عليه وهو نائم فأنشبت أنيابها في بطنه وقتلته فشربت من دمه ونهشت ما تيسر من جسده وانصرفت.
في الصباح قَدِمَ ابن عم الأعرابي يريده فرآه مقتولاً وعرف ما كان فأنشد قائلاً:
ومن يصنعِ المعروفَ في غير أهله
يلاقي الذي لاقى مجيرُ أمَ عامرِ
أدامَ لها حين استجارت بقربه
طعاماً وألبانِ اللقاحِ الدرائرِ
وسمَّنَها حتى إذا ما تكاملت
فَرَتْهُ بأنيابٍ لها وأظافِرِ
فقل لذوي المعروفِ هذا جزا منْ
بدا يصنعِ المعروفَ في غيرِ شاكِرِ
البيت الأول من هذا القصيد اشْتُهِرِ وأضحى مثلاً يُضرب لمن يصنع المعروف في غير أهله فمن يفعل لن يلاقي إلا كما لاقى صاحبنا مجير أم عامر.
الشيء بالشيء يُذكر، وعلى ذكر المعروف وأم عامر تُذْكَرُ العشر العجاف وما حلّ بالبلد التي فاضت بمعروفها على القاصي والداني، كم أم عامر أنشبت أظفارها في قلب البلد؟ كم أم عامر غرست أنيابها في بطن البلد؟ كم أم عامر شربت من دم البلد؟ كم أم عامر نهشت من لحم البلد؟ والسؤال المحزن القاسي هل صنع البلد المعروف في غير أهله؟!
شروق ضاهر