ألم ليسَ كالألم

الوحدة: 10-11-2021

 

 لَمْ أمُتْ لَكني لم أعد حياً… تجزأتُ إلى أشلاءٍ وتجزأتْ روحي معي، وحدها من لم تُفارقني حتى بعدَ مماتي.. غادرتُ الأرض ولم أصعد إلى السماء… لم أعد أرى الضوء، ولا حتى الظلام… لا أرىَ أحداً… أسمعُ صوتاً يضربُ على مسمعي حنيناً.. ربما أنا في الأبدية الآن… أودُّ الكلام إلى من يَضرب على مسمعي وجعاً.. كيف لهُ أن يحادثني وأنا لا أراهُ.. أتحسسهُ وأكاد أتلمسهُ… اقْتَرِبْ قليلاً فقط… لم يَقتَربْ توسلتُ لهُ بالاقتِراب… لم يسمعني أبداً… دخلتُ غُرفة ليس لها أبواب… ولا نوافذَ… دخلتها ولا أعلمُ كيف….؟ أحد في الداخل بانتظاري… يبدو مألوفاً لديّ.. صافحته ولم يتحرك… طأطأتُ رأسي خيبةً… أعطاني كرسياً، جلستُ وحدقتُ ملياً بهِ…. نتحدثُ بدون صوت أفهمُ عليه ويفهمني.. قالَ لي: أنتَ من سُكْانِ العالم المخفي إلى الأبد… صمتُ وفهم صمتي سؤالاً: كيف أرى الناس وكيفَ أخاطبهم؟ صمتَ وفهمتُ صمتهُ: انظر إلى النافذة خلفكَ وشاهد العالم.. نظرتُ بلهفةً إلى نافذةٍ غيرُ موجودة… رأيت نفسي مُستلقياً باكياً تارة وضاحكاً تارةً أخرى وجمعٌ غفيرٌ يندِبونَ سوءَ هذا اليوم… عرفتُ خَطبهم… وفَهِمتُ قصدهُ… تحسستُ يدَ أبي الدافئة ولم يتحسسني.. سقطت دمعةً من جسدي…. تحسسها أبي والتقطها.. ضممتهُ بها لآخر مرةً قبلَ الرحيل الأبدي… غطاني كرداءٍ في الثلج… قبلتُ جُفنيهُ خَجلاً منهُ برحيلي… وأرقهُ بغيابي… شَعرتُ بهِ غصّ جسدي.. يكادُ يكسر حاجز الموت ويهب منهُ… لكنهُ عاجز مهزول أمامهُ.. رُفِعتُ قليلاً عن الأرضِ بعيداً كثيراً عن السماء… رأيتهم جميعاً موتى وأنا الحي بينهم.. عند الركام الأخير عدتُ إلى الغرفةِ وحيداً مع الصوت الذي يميتني حنيناً… نظرتُ للشخص الخفي أمامي… رفعَ الستار وأراني وجعاً لا يشبهُ الوجع… رأيتهم جالسين… ودمعُ أمي تُناديني.

محمود عدنان شاميه

تصفح المزيد..
آخر الأخبار