الوحدة 9-11-2021
ألقى الكاتب والشاعر الأستاذ محمد صالح إبراهيم محاضرة ثقافية بعنوان (قصائد ومآسٍ) في مركز ثقافي جبلة، فمن منظور المحاضر أن النكبات والمآسي والمحن هي أكبر ملهمات الشعر وأكثر بواعثه، وهي أيضاً المحك الذي يختبر شاعرية الشاعر، لذلك من المهم الوقوف على هذه القصائد الذي اختارها المحاضر في عصر فقد الإنسان إنسانيته ووجدانه نتيجة اقتحام التكنولوجيا الحديثة حياته ليصبح لها التأثير الأكبر على سلوكه الاجتماعي والتي أبعدته عن شفافية الروح الإنسانية ورقتها.
ومن هذا المنطلق تبرز الحاجة للعودة إلى ما يعيد لإنسان هذا العصر بعضاً من الشفافية وما يجدد العواطف الإنسانية من خلال ثلاث قصائد سلط المحاضر الضوء عليها ولكل منها قصة حقيقية غير خيالية تختصر الكثير من المعاناة وتترجم الآلام شعراً يمثل صوراً عن قساوة الحياة والهدف إظهار المحاضر جمال القصيدة وقدرة الشاعر على إبراز مكامن الجمال في سحر بيانه وصفاء ديباجته.
القصيدة الأولى التي ذكرها المحاضر هي قصيدة الشاعرة الفصيحة جليلة بنت مرّة الشيبانية وهي من ذوات الشأن في الجاهلية، زوجها كُليب وائل بن ربيعة سيد قومه، وقد وقعت ضحية مأساة فقدان زوجها على يد أخيها واشتعال حرب بين قبيلتين دامت أربعين عاماً، إنها حرب البسوس.
القصيدة التي قالتها الجليلة قصيرة جداً وبسيطة بعيداً عن جزالة الشعر الجاهلي ومتانة سبكه، إلا إنها تختصر المأساة وهي تدوين لمشاعر شاعرة أصابها الحدث في الصميم، تقول الجليلة:
خصَّني قتلُ كُليب بلظىً من ورائي ولظىً مُستقبِلي
ورماني قتلُه من كثب رمية المصمَى به المستأصَلِ
ولئن خلت قصيدة من جموح الخيال وجزالة المعاني إلا أن الشاعرة برعت في تصوير المأساة وصدق المعاني.
القصيدة الثانية للشاعر المبدع مالك بن الريب التميمي من شعراء العصر الإسلامي، فقد كان لصاً وقاطع طريق إلى أن تاب توبةً لا رجعة عنها بعد توجيه اللوم إليه، وله قصائد عديدة ذكرتها كتب الأدب وأشهرها قصيدة كتبها بعد إصابته بضربة أثناء إحدى المعارك فلما أشرف على الموت رثى نفسه، متذكراً حنينه للأهل وملاعب الطفولة ولا يجد سوى رموز فروسيته السابقة السيف والرمح والحصان، وتظهر قصيدته جمال الصورة ما في عجز البيت والأبيات مثل (صعب قيادياً) وصيغتا مبالغة اسم الفاعل (عطافاً) و(صباراً)، يقول الشاعر مالك بن الريب:
خذاني فجرّاني بثوبي إليكما فقد كنتُ قبل اليوم صَعْباً قِيادياً
وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخيل أدبَرتْ سريعاً لدى الهيجا إلى مَنْ دعانيا
وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى وعن شَتْميَ ابنَ العَمِّ وَالجارِ وانيا.
والقصيدة الثالثة للشاعر المشهور ابن زريق البغدادي من (العصر العباسي) الذي كان عارفاً بفنون الشعر و الأدب مات غريباً عن دياره وأهله مكابداً مشقة السفر والغربة في سبيل الرزق وقد كتب قصيدة وجدانية مؤثرة تصف معاناته في صراعه مع الحياة طلباً للرزق فمات كمداً دون تحقيق مناله، رثى في قصيدته حاله التي وصل إليها بعد أن خسر كل شيء متذكراً ابنة عمه حبيبته التي حاولت منعه من السفر واصفاً حالة الوداع :
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ.
ازدهار علي