قراءة في المجموعة الشعرية (تحوّلات القلب)

الوحدة:8-11-2021

ثمّة تحوّلات ثلاث في حياة هذا الشاعر وخاتمة.

 التحوّل الأول: ما قبل التاسعة من العمر، وبها كان فتىً صغيراً، وكانت عيناه ترصدان فتاة أرادها لأحلامه ومنذ ذاك الوقت كان يرى بها ارتحالاً إلى واحة خضراء.

 يقول: (كنت أرى في عينيها وشي ارتحال).. حينئذٍ كان قلبه يعصر لونه ويتلّوى خوفاً من غمزة جفنيها.

 التحوّل الثاني: الوقوع في الحب.

التحوّل الثالث: جدلية الربط بين النبيذ والدم، بين الدمع والعين.

 ومن يدرك ذلك سيكتشف مدى الحزن المتحمل في القلب.

الخاتمة: يرجوها العودة. تلك الحبيبة التي غادرته، يوّد عودتها، ويخبرها أن هذا الليل موحش من دونها.

يقول: أيتها البعيدة… اقتربي.. موحش هو الليل وطويل.

×××

– في قصيدته لأجلك أعود: يبيّن شاعرنا شوقه وحنينه إليها وهو يريدها أن تسرج الريح وأن تبحر في شرايينه.

 يقول: أيتها الأنثى.. أبحري في شراييني.. ففي قلبي مرافئ دافئة.

×××

يحسّ بغربته (كما صالح في ثمود) فما من تلويحة كف ولا رنوة عين، بل هو وحيد وحيد  وحيد وغريب، مصلوب على جدار الزمان، وغريب مثل بوابة مهجورة.

 يقول: وحيداً على جدار الزمان. غريباً كبّوابة مغلقة.

×××

هو شاعر يحب الضوء، يحب انبهار النهار، ويمقت العتمة والظلمة الحالكة.

 يقول: عندما يهطل المساء يرتدي الكون ثوب الحداد.

 ولأنه يفتقدها أضحى كمتسول على أرصفة الغرباء لا يلقون بالاً إليه ولا يعيرونه حتى التفافة.

 يقول: لأن هذا المساء يا صديقتي أقبل مسرعاً ليجدني وحيداً، افتقدتك وتسوّلت على أرصفة العمر عارياً..

 ويناشدها الإياب.

 فيقول: هل تأتين في ظلال غيمة؟!

×××

أدماه الانتظار…

 ترك نوافذه مشرعةً لاحتضانها لكنها لم تأت..

 راح يستعرض وجوهاً عابرة، ويردد أغنيات عابرات، واستحضرها في لحظة فرآها كبستان كرز.

 يقول: نوافذي مفتوحة بانتظارك، استعرض كلّ الوجوه، أردد الأغنيات، يظلّ وجهك بعيداً كحلم مشاكس. وأراك كبستان كرز.

 ولأن له قلباً عطوفاً، ولأن انتظاره أدماه، احتاج الدمع، فالدمع يخفف وطأة الحرمان.

 يقول: أشتهي يا حبيبتي وأنا غارق في الانتظار أن تسمحي لي بالبكاء.

×××

وحدي إليك الطريق

 لا وصولك يحدّدني

 ولا يمحو انتظاري غيابك

 بهذا المقطع الجميل يلغي شاعرنا المسافة والانتظار ويحتمي بابتسامة قادمة تنشر بعض الفرح.

×××

يتعبه هذا الليل

 لذلك أراد أن يفيض بدمعه، يريد أن يتحول إلى فراشة بجناحين

يقول: من يحتسي دمي خمراً

 ويعطيني جناح فراشة؟

×××

ولأنه مرهف الإحساس، وشاعر يتفقد الحنين من بين حناياه، آلمه رحيل معلمة أولاده فقال يرثيها: أيتها الراحلة..

 لك اتساعات الفضاء

 ونحن لنا ملوحة الدمع

هي ذي قلوبنا تضيق

 ويغادرها الدم

 كقوقعة مرمية على شاطئ حزن طرطوس

×××

هو شاعر يمتلك وكأي شاعر يبدع في الحزن، يؤلمه ويوجعه أن يورق الدم شوكاً ليلقيه في الحيرة.

 يقول: قتلتنا الحيرة يا سيدة الحزن

 حتى آخر نبض في قلبي

 ستبقى دموعك خناجر و جروحاً

×××

ولعل من أجمل قصائد المجموعة قصيدة: ( صلاة الاشتهاء) فهي تقول كل ما أراد قوله من لحظة وقوعه في الحب وحتى تحول القلب في جزئه الأخيرة:

يقول: عندما يبدأ صراخ الروح

 ويصبح وجهك مرآةً لأحزاني

وصمتك حبلاً يخنق حنجرتي

 وغيابك غيابة لعواطفي

 أشتهيك.

ولأنها علها هي. فقد خصّها بسورتين من الاشتياق  في الأولى قال: أريدها ولو على تلال من الجمر.

وفي الثانية قال: أشتاق إليك وأنا أقترب شيئاً فشيئاً

 من الدفء المتوهج من راحتيك

أشتاق إليك

 وأنا أستحم بالعبق الذي يضوع منك:

ويسكرني..

كم أشتاقك

×××

 أما قصيدة (صباح الخير) ففيها كل عاطفة الأب اللامحدودة سيحضر أولاده الأربعة: مايا، يحيى، ميرا، علي.

 ويفرد كل واحد بقصيدة، تحمل ما لا يحتمل من ضنا وتعب وسهر أب لأجل بنيه.

 يخاطب الجميع بقوله: صباح الخير أيتها الوجوه

وهي تبحر كل صباح

 عبر أشرعة بيضاء

 نوارس إلى فضاء الجهات

 تغازل الريح

 وترتقي خيوط الشمس

إلى ممالك الفرح

×××

  أختتم قراءتي بتحوّلات القلب رقم 2… وهو مهدى إلى روح والده

 ذاك الصوفي المتعالي عن الدنيا… معدداً كراماته وسجاياه.. وذاكراً صوفيته المتحدة بقدسية خالقه، وأن كلماته التعليمية ستظل خالدة.

 يقول: من ذا الذي سيبني من حروفه مآذن للكلمات؟

ويتذكره بجميل كراماته فيخبرنا أنه كان يمسح الغشاوة عن البصيرة والبصر.

 يقول: لأنك من كان

 يكنس عن العيون الغشاوة

وحولي الآن كتل الظلام.. وأحابيل الغواة.

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار