متقاعد رمادي!

الوحدة:8-11-2021

حين أكون في أحسن الأحوال، وأرغب بإلقاء جسدي المتعب على كرسي في مقهى ما، لا أتفاجأ بعامل الخدمة، وقد وضع بعض الأغراض على معظم طاولات الجلوس، بحجة أنها محجوزة، فيجلسني بالقرب من مطبخه وكأنه يعرفني منذ عشرين مشكلة كبيرة سببتها له، فيحاصرني بكلمات نابيةٍ يخص بها مشهد حياته اليومية التي يعيش!

لا يخلو حواره الأحادي من أمثال وأقوال صنعها بنفسه، ليمتلئ صدري بموجة حادة وحارة تصل حلقي، فأقوم وقد نفضت عني تلك الجلسة ورمادها ماراً بين الطاولات المحجوزة الشاغرة، فأعود وأدس في جيبه إكرامية لا بأس بها، آملاً بأن أكون في المرة القادمة عضواً بنادي تلك الطاولات المحجوزة والقريبة من ربيع الشارع.

المفاجأة أنني عدت في يوم آخر، ليجلسني بالقرب من مطبخه وكأنه يعرفني منذ عشرين مشكلة كبيرة سببتها له، فأشعر وأن موقده يكاد ينفجر في وجهي!

ولأن هذه الحال موجودة في المقاهي: تملكتني رهبة افتقاد الأصدقاء بعد أن يبست شجرتهم فتساقطت الأوراق وذهب الظل، فألوذ بالفرار نحو البيت الذي لم يعد كالسابق فالأولاد كبروا وحاجتهم إلى تقاعدي لا قيمة تذكر له فتقاعدوا عني وتحولت إلى أبٍ للمناسبات أو لالتقاط الصور التذكارية، أما الضائقة فتزيدني اختناقاً لكنني لا أفصح عنها خشية أن أخسر القليل المتبقي.

و… جيراني بين الحين والحين يجعلون مني هامشاً لمشاكلهم وشؤونهم وشجونهم!

لم لا؟ فأنا متقاعد لا تنهمر عليّ سوى أمطار الرحيل!!

ولأنني فشلت في آخر إضبارة عمل بسيطة كنت أنجز مثلها بسهولة ويسر، كما فشلت في شراء احتياجاتي وأسباب بقائي: رحت أحلم بالنافذة الواحدة للمتقاعدين! والعجيب أن ذلك الحلم يراودني وكأنه حقيقة؟!!

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار