الوحدة 26-10-2021
في داخل مشفى العناية الفائقة, فتاة وكأنها عريشة على غيمة, تدنو من مريض وتهمس بشغب ربيعيّ خاصّ: إذا منحتك ( التكنولوجيا) حياة مديدة لخمس مائة عام, فهل تختارها؟
فما كان منه إلاّ أن تحدّى سريره ووقف بتواضع ليقول: لا .. فالأصدقاء لن يهبطوا من سلالم الذّاكرة لألتقيهم أحياء, ولن أكمل عمري مع زوجة انطوى زمنها وغادرت.. لن أذهب لأماكن طالما حننت, فهي ليست كما كانت, ولن أعود لبيتي القديم وحديقتي التي كانت تبوح بفتنتها, فقد تحوّل البيت لغيري, وصار لملمة جدران مأخوذة زخارفها من نصف قصور المدينة, والحديقة إلى مرآب رماديّ سيّارته تلمع بعجرفة ,وحارس يحث المارّة على الإسراع بتغيير وجهتهم . أما داخل منزلي الجديد الصغير الذي تحتصر به الأشياء بما فيها الأنفاس إلى ثلاثة أرباعها: فصمتي ينقذني من حوار فاشل لا يقود إلا إلى سباحة الأصوات في ضجيج أكون فيه الغارق الوحيد, فأنتشل نفسي باعتذارات أوزّعها هنا وهناك, وقد أيقنت أنّي وأمثالي أشبه بحفرة وسط طريق تتعثر فيها الأقدام.
لن أطلب الخمسمئة عام من الذين لا أعرفهم, ربّما هم بلا ذاكرة؟
سألتفّ بذاكرتي وأرحل إلى كفني.
أليس كل ما يدفن كنزاً؟!
لم يكن من وجود لفتاة في العناية الفائقة, وما من زيارات لهذا اليوم ,ولكن ومن المؤكّد في تلك اللّحظة , ثمّة عزيب اقترب منه وقال كلمة واحدة بصوت خفيض ,فابتسم ابتسامة يهتزّ لها غصن, تلك الكلمة لن أبوح بها, وسأتركها له ,فهوما زال يبتسم لصداها.
سمير عوض