الوحدة : 18-9-2021
مذ كنّا صغاراً تعلّقت ذاكرتنا ببعض الأصوات التي كانت تهمس في آذاننا.. غناءً وكلاماً.. ترافق صباحاتنا ومساءاتنا.. بعضها ترسّخ في ومضات أيّامنا.. ومنها ما كان يُنصت له قلبنا قبل آذاننا.. يشدو أعذب الألحان دون غناء.. كما لو أنّه ترتيلة صلاة بلا مرتّلٍ.. كنّا ندندن مع ما تبثّه إلينا من أغنياتٍ تصدح بها حناجر ما أنجبت مثلها الأيام.. كل هذا وأكثر حملته إلينا موجات الإذاعة (الراديو) عبر أثيرها الذي أسر قلوب متابعيها وآذانهم، لتنصت له المشاعر والأحاسيس، وتبادله العواطف أنفاسها مع كلّ همسةٍ إذاعية أو أغنيةٍ طربت لها الأرواح..
هل مازالت الإذاعة تحجز لها مكاناً على خارطة التواصل الإعلامي، أم خرجت لتغرّد خارج السّرب بعدما أطاحت بها وسائل التواصل الاجتماعي ومنصّاته وغيرها من وسائل الإعلام؟
أين رحل مستمعوها وذوّاقوها؟
هل ستعود يوماً إلى عصرها الذهبي أم ستنقرض؟
أسئلةٌ كثيرة نطرحها حول مستقبل المحطات الإذاعية والتي تحوّل بعضها إلى البثّ (المرئي) التلفزيوني، في محاولةٍ لاستمرار التواصل مع الشريحة الأقرب إليها والحفاظ على وجودها واستمراريتها خارج حلبة الصراع الإعلامي لإثبات الحضور وسط الضجيج والصخب الإعلامي الهائل ونزعة البقاء حتى الرّمق الأخير…
بعضنا يتحسّر على (الراديو) وكأنّه نجمٌ أفِل إلى غير رجوع.. وبعضنا مازالت رفيقة نزهاته وجلساته.. في المنزل ومكان العمل والسيارة ووسائل النقل وتجمّعات الأسواق والألعاب… في الأسطر الآتية التقينا عدداً من مستمعيها الذين حدّثونا عن علاقتهم الراهنة بها وكان الآتي..
السيدة ربا نصير، ربّة منزل:
قديماً كان المذياع رفيق صباحاتنا ومساءاتنا، تحفل ذاكرتي بعددٍ كبير من أسماء المذيعين السوريين المخضرمين، وأغاني أيام زمان لعمالقة الفنّ السوري والعربي.. ولا أنسى وجه أبي (رحمه الله) وهو غافٍ على صوت جاره ورفيقه المذياع الذي كان لا يفارقه إلا ما ندر، أما اليوم فقد أبعدتنا مشاغل الحياة ومتطلباتها الصعبة عن المذياع وغيره من وسائل الإعلام.
السيدة رنيم جرجي، صيدلانية:
بالنسبة لي… آخر مرة كنت أستمع فيها للمذياع عندما كنت في الجامعة.. كنّا نسمع الفترة الصباحية كاملة تقريباً.. من الأغاني الراقية والهادئة، وبعدها الفقرة الفيروزية، ثم كانت تُبثّ حلقة مسلسل عصام عبه جي ووفاء موصلي الاجتماعي، وبعدها الأبراج مع نجلاء قباني، في الفترة اللاحقة كنت أحياناً أستمع إلى فترة الأغاني المسائية مرة بالأسبوع..
وقبل حوالي ثماني سنوات تقريباً نسيت موضوع الإذاعة تماماً.. اعتمادنا أصبح على التلفاز أكثر …وحالياً حتى هذا الأخير لم نعد نتابع ما يبثّه إلا نادراً لاعتمادنا على الإنترنت أكثر.. لكنّ وسائل المواصلات والنقل بقيت الرابط الوحيد بيننا وبين المذياع..
السيدة مارين نصّار، معلّمة:
في بلاد أوروبا وأميركا الاعتماد على الإذاعة أكثر من التلفاز كوسيلة إعلام، وذلك بسبب الساعات التي يقضونها في السيارات أثناء توجههم من وإلى أعمالهم..
بالنسبة لي أستمع إلى المذياع فقط وأنا أقوم بأعمال المنزل، لانشغالي بطلبات الأطفال ومشاغلهم التي لا تنتهي، واختصاراً لمزيد من الصخب والضجيج حولي..
لا أتابع برامج إذاعية محددة، إنما أستمع لما تبثّه المحطات الإذاعية وأنا أستقلّ وسائل النقل العامة كالتاكسي مثلاً، وأكثر فقرة أكرهها هي فقرة الأبراج، إذ لا تستهويني أبداً، وأكثر فقرة أحبها هي الاستماع إلى أغاني المطربة فيروز الصباحية، إضافةً إلى بعض الأغاني الشبابية.
ريم جبيلي