أعراس قطاف موسم الزيتون.. ذكريات وأمنيات

الوحدة : 15-9-2021

أيام قليلة وتبدأ الأعراس الجماعية، أيام ويخرج الناس إلى البراري، إلى البلد الأمين الذي سيكون مسرحاً حقيقياً لتلك التجمعات الكيفية، فهي أيام الخير والرزق الأبدي، لنعمة تُعتبر وسيلة حقيقية لحياة أُناس مؤمنين ومقتنعين بالعيش على مقولة (الخبز والزيتون)، موسم قطاف الزيتون، الشجرة الخضراء المعمّرة المعطاءة، المباركة، جميعنا يعلم ومقتنع تماماً بأن حياتنا كانت مرتبطة بهذه النعمة الربانية منذ الأزل، مقترنة بحباتها الخُضر، بقطرات الذهب من زيتها النقي، ساعات الصباح الأولى هي التوقيت المشترك لأصحاب تلك الشجرة، حيث ستصدح الوديان والجبال بأهازيج القطاف والجني للموسم المُنتظَر، ساعات النهار ستمضي بسرعة جهداً مضاعفاً سينفّذه الجميع بسبب ساعات النهار القصيرة، حركة متواصلة من قِبل الجميع، عناصر مختصّة بصعود الشجرة وقطاف الحبات العالية وآخرين على الجوانب وأطفال صغار يجوبون الأرض بحثاً عن الحبّات المتطايرة، أحاديث جانبية هي زبدة تلك التجمّعات وهي فاصلها المنشّط الطويل يتخلّلها خمير الشاي والأبريق المشوي على حطب الزيتون اليابس ونكهته الممزوجة بالدُخان مع السكّر المحروق، ورشات من العمل المتنقّلة، يحادثون بعضهم عن بُعد، ويباركون دوام هذه النعمة وخيرها الوفير، يهنّؤون بعضهم عبر صدى الأرياف تصدح جملة متداولة، خاصّة لمن يرصد الطبيعة من أعالي الشجرة ( كل عام وأنتو بخير) على مدى الأيام الأولى من القِطاف أو (النبر) كما يُقال عند الغالبية، أمّا الفاصل المغذّي للروح والبدن فهو وقت الغداء وما تحتوي تلك السلّة القصبية، فهي المطعم السّحري رائحة مقتنياتها تُلهب المشاعر، تتسابق الأيدي لتفريغ محتوياتها لنشرها على الأرض السفرة الدائمة، كُل ما فيها لذيذ، نأكل بدون البرستيج المنزلي بدون غسيل، يمتزج الطعام بأصابعنا الملونة بلذّة الحياة العفوية، يُستكمل النشاط بهمّة عالية تتبادل الأسر المباركة بالمحصول (الله يجعل البركة) وقبل المغيب يتردّد السؤال الأبرز، يتنقّل بين تلك الورشات المتباعدة عن وجود الدابة التي ستتكفّل بنقل أغلب تلك الغلال على ظهرها بسبب وعورة الطبيعة وطُرقها الضيّقة، لينتهي يوماً مكلّلاً بعرق الخير ورائحة الزيتون الأخضر ودفئه الأبدي الذي كنّا ولا زلنا نتكئ عليه،

 

تلك هي مواسم الخير، هي أحد مكونات أعمارنا التي بها نفتخر ونجلّ، أغلب تفاصيل تلك الاحتفاليات قابعة في مقدّمة أفكارنا وخيالنا، كلٌ منّا له ما يكفيه من ذكريات، بعضها مؤلم حزين بسبب تزامن الأمرين، القِطاف والخبر الحزين، خاصة في سِني الحرب الأولى، كاستقبال نبأ فقدان شاب بريعان عمره في جبهة حرب عبثية فرضها علينا شُذّاذٌ وكَفَرة، وهنا تكمن عظمة الإنسانية وعراقة العيش المشترك، يتضامن الجميع مع الأسرة المفجوعة بكل شيء حتى بالحزن وتلقّي التعازي وجني الموسم بكامل الرضى والقبول، وبعض تلك الذكريات فُكاهي مستوحى من الواقع القروي، أو خبر مُفرح سعيد في وقت أصبحت مساحات الفرح ضيّقة، بانتظار عاصفة هوجاء من أخبار وأحداث بهية، تُعيد ألق الماضي وأمجاده فتمحو ذكريات عشر سنين خضّبت أيامنا وريعان حياتنا بأحداث لا نتمنى عودتها تكفيها زاوية ضيقة مُظلمة داخل جماجمنا المُتخمة بالأُمنيات والأحلام السعيدة.. علّها تعود

سليمان حسين
تصوير باسم جعفر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار