سوق الخضار والفواكه في ساحة الدريكيش علامة فارقة للمدينة

http://youtu.be/PTmSwgbMvms  الوحدة :30-8-2021

في ساحة الشيخ منصور يقع سوق الدريكيش الشعبي للخضراوات البلدية، تحديداً من جردنا الخصيب، وأطراف نهر قيس الشهير، هذا السوق قديم قِدم أعمارنا، يجمع العديد من مزروعات تلك القرى البعيدة المعطاءة، هنا يضع المزارعون منتجهم النفيس، إنتاج وتعب عدة أشهر، سِلل قصبية تعشقها الأعين بغضّ النّظر عن محتواها، طريقة عرض المنتج الأخضر والبسمة الريفية التي يقدمونها للزبائن تعبّر بكل صدق عن المنتج المعروض بعيداً عن الّلف والدوران عكس ما يحصل في الأسواق الكبيرة من حيث التلاعب بنوعية المنتج وصفاته، تلك العجوز المبتسمة تضع حبات الشنكليش بشكل جميل على قطعة قماش يغطيها الزعتر البلدي المطحون الذي يوزّع نكهة الّلذة على أُنوف المارّين، تمدّ يديها النحيلتين المزينتين بعروق الزمن، لتكسر قطعة تدفع اللعاب بشكل قسري لتكون بداية لذيذة لشراء ما تملك من هذه المادة البلدية بامتياز، إلى الجانب الآخر رجل تبدو عليه ملامح شدّة العراك مع طبيعة قاسية في أغلب الفصول، جاء ليقدّم تفّاحه الذي لفحته الشمس وصبغته بلونها الذهبي، ليكون جزءاً من قطعة سكرية، ومع قسم عظيم يقدّم للزبون أجمل تفاحة، يفركها قليلاً بجاكيته المزيّن بألوان الصدق القروي، ويطالبه بأكلها فقط، إلى جانبه تماماً يجلس رجل آخر يضع غِلاله على قطعة كبيرة من الخيش تحتوي الّلوبياء والتين والصبر والجوز وكيساً بسيطاً من الباذنجان مغسول بحبّات الندى لتأخذنا الذكريات إلى أرضٍ خِصبة يخترق جانبها النهر الأجمل بمياهه ورائحته لتسجيل الموقف العام لهذه الأيام ومقارنتها بتلك التي أفُلت برجعة مستحيلة حين كان الجميع بحالة اكتفاء، الخير ورائحة السعادة تعمّ تلك الجبال، كان ممنوع على أحد أن يكون بحالة فقر طالما تلك الوديان خضراء نضرة فهي الحياة وهي رزق الأهالي ومعيشتهم، كانت الدابّة تنوء بأحمالها حيث يتم توزيع أغلب هذه الخيرات على قارعة الطريق ومنازل الجيران، وهنا كانت تتم الحالة الاقتصادية الأرقى من خلال التبادل الكيفي للرزق والمزروعات بين سكان القرية.
وبالعودة إلى سوق الشيخ منصور فإن هناك من اقتحم عليهم تفرّدهم بهذه المنتجات، بعد رؤية منطقتهم كثيفة الزوّار والزبائن، فقد تم غزو المكان بمعروضات أوانٍ منزلية وبلاستيكية ومنظفات قتلت روح هذا التجمّع، غابت رائحة البندورة الجردية المشهورة وكذلك روائح الخيار والتفاح والبقدونس وباقات النعناع التي تعطّر الظّل الكثيف المخلوق من قِبل سنديانة عملاقة هي بعمر التاريخ يُعتقد أنها شهدت تعاقب حضارات ومستعمرين، ظلّها يشبه غيمة سوداء تحنّ على الجوار لتكسي تلك الحديقة المجاورة المحدَثة بجانب مقام الشيخ منصور بعدد محدود من المقاعد أنشأتها بلدية الدريكيش المجاورة لذلك المكان.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار