الاحتكاك مع الطبيعة مهّد لأساليب استمرار الحياة

الوحدة :25-8-2021

يُقال إنّ الفقر هو أسوأ أشكال العنف، أيام غابرة كان الفقر يسكن جميع المنازل، كانت جميع القرى متشابهة بالعادات والتقاليد، مصادر العيش نفسها، تختلف فقط بالمعايير وطرق التفكير، قديماً ومنذ صِغرنا كنّا نشعر ونتلمّس الفقر فاعتدنا عليه وعلى مفاعيله، هذه الفترة مرّ عليها من الزمن ٤٠ عاماً كانت كفيلة بأن نقرأ ونعرف مكنونات وظروف الحياة بكامل تفاصيلها، أغلب القرى والتجمّعات تقوم على همّة أهلها وما تنتجه أيديهم، يقتلعون ثمن أدويتهم وخبزهم بأظافرهم، يصنعون أدوات حياتهم على مزاجهم..
داخل المنزل الواحد كلٌ لديه اختصاصه في تدبير ومساعدة الأهل، وظيفة الدولة كانت شبه مستحيلة باستثناء من يمتلك من العلوم والمعرفة درجات معيّنة فيتم التمسّك به وزجّه بأحد مفاصل العمل الوظيفي فتُطلق عليهم صفة الاغتراب، بالإضافة إلى من تطالهم الخدمة الإلزامية فيجدون فيها ملجأهم ومأواهم لعدم امتلاكهم متلازمة العيش وهي الأرض وحياتها الزراعية وكانت أعدادهم تعادل الباقين في القُرى.
في تلك الأزمنة كنا نصنع أوقات جميلة بأدوات بسيطة، نجمع مقدرات معيشتنا، بالتفكير والحيلة والاحتكاك مع الطبيعة التي خُلقت لخدمة البشرية جمعاء، نجني مصروفنا المتواضع بعفوية ورغبة مُفرحة، من خلال صناعة الأطباق والسِلل من القصب والقَش وكذلك المكانس، وتلك الخلطة السحرية لزعتر المائدة المرغوبة جداً، وأكياس الورق بمقاسات مختلفة من بقايا أكياس الإسمنت، صباحاً تبدأ رحلة قِطاف الزوفا والميرمية والزعتر بأنواعه لتيبيسهم وبيعهم، زبائن هذه الأشياء كُثُر على دراية أكيدة بمادتنا المعروضة للبيع، شكلها التراثي ملفت للنظر، فوائد متعدّدة لمنتجاتنا عداك عن طعمها السحري، يدفعون لنا ما نطلب بدون تردّد، أمّا الشبان الأكبر منّا سنّاً كان لهم اختصاص فريد، يعملون على تجميع الحلزون ليلاً بواسطة ضوء (اللكس)، نراقب تحرّكاتهم من بعيد ينتشرون كالنجوم البعيدة على أطراف الجبال ننتظر غلّتهم من تلك القواقع، حيث يتم بيعها بأسواق المدينة الملوّنة، كلٌ يجيد عمله البارع في الصيف والشتاء، يُبدع به ويُعيل ذويه بكامل الرضا والقناعة، وأكثر الأشياء التي كانت تُفرحنا بعد موسم قطاف الزيتون هي بدعة (العفار) وهي البحث عن بقايا حبات الزيتون من جميع الأراضي منتهية القطاف، فعملية بيع هذه البقايا كانت تساوي الكثير في أنفسنا، أهلنا عملهم مستقل ينشغلون بالأمور الكبيرة، كتحضير البرغل والعدس والحمّص وكذلك المربيات بأنواعها وتجفيف الخضراوات وتحضير حطب التدفئة، والعمل على تدعيم الأماكن الضعيفة من المنزل، حتى إذا داهمنا الشتاء نكون مستعدين لمواجهة تقلباته بأقل الخسائر، هكذا كنا نعيش ونعتاش راضون بالمقسوم لنا، بدون مستوردات وإغراءات أو ممنوعات، مقتنعون بما نعمل بلا خجل، غير آبهين بفقدان مادة أو جنون عملة وحصار اقتصادي، لأن مواردنا جاهزة لأشهر طويلة وسنين، داخل العنبر ومستودع المونة، وكذلك ما تملكه النملية من حواضر تكفي العائلة لأيام وأسابيع جُلها تمتلك عناصر مهمة لاستمرار جسم سليم معافى.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار