أيهـــا الخـــبيث !

العــــــــــــــدد 9311

الأربعاء 13 آذار 2019

ثمة ليلٌ يلفظ أنفاسَه الأخيرة، أو ربما عمرٌ لشخص ما، مريض ما، يشارف على المغيب قبل الأوان، أو ربما شخصٌ يتمرّد على وجعه، في الطابق السابع من مشفى المدينة، وبقرار سريع من جسدٍ يتألم وروح تتعذب، وعيون مدهوشة (خائفة) يلفظ آخرَ أنفاسه، بلا رغبة منه، ملقياً رداءَه الترابي المنهك، صاعداً بحريّةٍ إلى السماء، بانطلاق أو ربما بمتعة ملاك، يتقن الرقص على مسرح الغيم ..
تقف أمامَ قامةِ أو قائمة العلم المهولة، وما يطرحه العلماء من إنجازات، فيها من الإعجاز ما يبهر، وفي شتى نواحي ومجالات الحياة، ارتياد فضاء، اختراع أقوى أنواع الأسلحة الفتاكة، العابرة للقارات وللعقول والأجساد، وسائل نقل مذهلة، صناعات، تكنولوجيا، عالم رقمي ونت، وحتى عمليات تعيد العجوز صبية حسناء، وألف إنجاز واختراع، ثم تقف لتسأل: لماذا تتوقف عقولُ أولئك العباقرة عند حافةِ الخوف، من ذاك المرض الرهيب الخبيث، الذي لا نستطيع تسميته بالاسم الصريح، والذي يفتك بأجساد البشر، ويرعب من يقتحمه ويحطم روحه؟

أحد الملوك، كان يتابع علاجه فيما وراء المحيط، عاد بعد أن عجز الطب هناك على علاجه، مشهد عودته، وأنا أتابعه على الشاشة (بث مباشر)، كباقي الملايين الذين تابعوه مثلي، مشهد لا يمكن أن أنساه، ولا يمكن أن يعبرَ بخيال مخرج من هوليود.
ضبابٌ وغيمٌ وأرضُ مطار فارغة، وطائرة تحط بصمتٍ رهيب، يهبط سلم الطائرة، يطأ أرضَ المطار، وهو يعرف تماماً، أنّ أمامَه أياماً معدودة في هذه الحياة، يمشي، يجثو، والغيم الرمادي يلف المكان، يركع ويقبّل الأرض..
أقرأ أو أتابع ريبورتاجات وأحاديث عن أن المرض مفتعل، مثل كثير من الأمراض التي يتم تصديرها، مثل أي سلعة تجارية، من قبل شركات أدوية عملاقة، لتسوق أدويتها لكل مرض من هذه الأمراض، وإذا صدقت هذه الإشارات، فكم يبدو الانسان في صورة وحش مستشرس، ضبع جائع، أو حيوان مفترس ينهش بلحم أخيه الانسان بلا رحمة!
صديق طبيب متخصص ومتابع لهكذا مرض، قال لي: إنّ 90% من أنواع هذا الداء الفتاك قد تمّت السيطرة عليها، ويمكن للمصاب أنْ يعالجَ ويشفى.
لكن لماذا يا صديقي (الطبيب)، الذي يتابع آخرَ المكتشفات في أصقاع الأرض، ولحظة بلحظة، مازلنا نودّع وجوهاً كثيرة وأجساداً كثيرة غدرها هذا الخبيث الماكر، وحصدها بمنجله؟
وعلى ضفة الرجاء الإنساني، وبأصوات ملائكة صغار، لامس هذا المرض أجسادهم الغضة، وبرجاء شخصيات مهمة في المجتمع والحياة، أو مجرد كائنات إنسانية عادية، لكن ذاك المرض ارتطم بأجسادهم بمكر وخبث وقسوة، بأصوات كل هؤلاء المتألمين الموجوعين نسأل: متى يكون الموعد الختامي والأخير معك (أيها الخبيث، الخبيث)، لنقول وداعاً لمرض عنيد جبّار، لا يرحم؟
ملاحظة عابرة للخوف: هل لاحظتم أنني لم أذكر اسمَ ذاك اللعين الزئبقي السلاّل؟

جورج ابراهيم شويط

تصفح المزيد..
آخر الأخبار