لعــــــــــــــدد 9311
الأربعاء 13 آذار 2019
مثلما يَفيض الربيع بالجمال الإلهي الأخاذ، ليلف الحياة بكل ذلك البهاء الفاتن كما شاء الله عز وجل في مُلكه، كذلك يفيض الكون بإلانسان وإبداعه.
من المعروف أن الإبداع تعريفاً هو تلك الكلمة السحرية المليئة بكل الغموض والخيال، والمترعة بالجمال والدهشة، ويعتبر تفاعلاً للعديد من العوامل الشخصية والاجتماعية، ويُعد نِتاجاً لعالم آخر يصنعه المبدع بعيداً عن العوامل التراثية، وعن منطلق الواقع، وحتى عن الحقائق التي لا تقبل الجدل.
يُعتبر الإبداع موهبة وقدرة خلاقة يهبها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده البشر، لتتناغم هذه الإبداعات البشرية الجميلة على محدوديتها مع الإبداع الكوني، ومع ما أنعم الله جلت قدرته على الإنسان والكون وأيضاً الطبيعة.
وإذا كان الإبداع هبة ربّانية، فإن هذا لا يعني أنه ليس بحاجة للتطور والصقل، ولا يعني أيضاً بُعد الإبداع عن الفكر والعلم والعقل، وعن المناخ الذي تترعرع فيه تلك الموهبة، وتتطور لتشكل رؤية واسعة الأفق، متفاعلة مع العصر وواقعه.
وهذا الطرح ينسجم مع العملية الإبداعية، سواء كانت في أعلى قمم المواقع العالمية في الإبداع، أم في أي ركن من أركان بقاع الأرض الواسعة، فوجود الحافز والمناخ والعلم والإحساس بالإبداع، تعد أموراً تساعد على تطوير الإبداع.
ويُقسم الإبداع إلى أقسام عديدة يُذكر منها: ابتكار لم يسبق له مثيل، أو تطوير شيء وتوسيع دائرته، أو تفسير شيء غامض، أو إيجاد حل لشيء معقد، أو ترتيب عدة أشياء معروفة بطريقة معينة لينتج عنها شيء جديد يُنظر إليه من زاوية إبداعية معينة.
إن الكثير من المبدعين اللامعين قد قدموا من الأرياف البعيدة، والمناطق الفقيرة، وكثير من المبدعين كانت المؤثرات الأولى والمؤشر لإحساسهم بإبداعهم تنبع من أساتذتهم، وهم ما زالوا يتلمسون خطواتهم الأولى في التعليم.
وانطلاقاً من قناعة أنه ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا فيها شيئاً نسعى من أجله، فإن أغلب المبدعين يسابقون حبات ساعاتهم الرملية، منقسمين بين محب للحياة بحذر، فيعيشها خطوة بخطوة، وبين آخر يعيشها بكثافة وزخم كل لحظاتها وتفاصيلها.
ومن الواضح للعيان أيضاً أن هناك العديد من المبدعين، والكثير من المواهب والقدرات والطاقات، في مختلف المؤسسات والفعاليات والقطاعات المتنوعة، ولعل عملية اكتشاف كل ذلك يتطلب تحفيز وتفجير كل الطاقات الكامنة من خلال ما يُطلق عليه آلية الاتصال المباشر بالموظفين والعاملين، بغية الوصول إلى تحقيق فكرة استراتيجية إدارة المواهب.
جميل حلم الإبداع الذي نعيشه جميعاً في هذا الكون الغريب، فالقليل منه يتحقق، والكثير منه يبقى حلماً بعيداً، إن كل شيء يتغير، وكل شيء ينمو ويكبر، وكل شيء يشيب إلا إبداع الكلمات المخطوطة بالحبر الأسود، أو الأحمر، أو حتى الأزرق، فكلها ألوان وقعت من الأعالي، والناس رافعون لها رؤوسهم، فسلام على هذه الحياة، وسلام لك أيتها الكلمات التي لولاك لما عرفنا الحال، ولا قرأنا كلمات الحب، التي هي كلمات تُكتب وتُقال، وهي غذاء روح الإنسان، هذه هي كلمات الإبداع التي تختفي وتختبئ تحت أحرفها.
د. بشار عيسى