الأسعار ركّبت جناحين وطارت تلزمنا مروحية للحاق بها

الوحدة : 12-6-2021

يرجى التقيد التام كي لا تعرض نفسك للعقوبات والغرامات شاكرين تعاونكم…

بهذه العبارات تغمز مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في قناة تجار سوقي الهال والجملة.

عهدناه نمطاً من ثقافة التلويح بالعصا كنصف حل، قبل أن تضطر المديرية آسفة لتنظيم ضبوط  بالغرامة والسجن كل من يخالف، حسب قانون حماية المستهلك رقم ٨ لعام ٢٠٢١.

نشرات أسعار الخضار والفواكه حاضرة على طاولات المسؤولين، وعلى بسطات البائعين، ويبقى التلاعب بالسعر هو نتوءات من السهل اقتلاعها بقليل من المتابعة، وخاصة في أسواق شعبية رأسمالها المنافسة واجتذاب الزبائن، حتى وإن لجمت، تبقى من منشئها مرتفعة والحلول مرتبكة، والأسباب معروفة تقودها الأزمة الاقتصادية الحالية، التي لن ينتشلنا منها سوى الاعتماد على الذات، والدخول في مرحلة تعافي بدأت بوادرها تلوح في الأفق.

للبائعين حجتهم (يا عمي ما بتوفي معنا اليوم السلعة الفلانية من أرضها بهديك الحسبة).

تقول سهام، امرأة أربعينية وهي تجول بناظريها بين البسطات: أقصد يومياً  سوق قنينص، الأسعار ركّبت جناحين وطارت، تلزم الراتب مروحية كي يلحق بها.

أبو فادي يتعكز على عصاه الغليظة، أرهقته آلام الديسك يقول (للوحدة): ليست أقسى من آلام الحياة، لا يواجه كل شيء  بالعكاكيز، فالأسعار لا تتعكز على الراتب، هذا السوق ليس بعيداً عن مكان سكني، أتمشّى إليه ظهيرة كل يوم حيث تكون حمى الأسعار قد هدأت منافستها على الزبون عما هي في الصباح، (يشير بعصاه إلى السوق) ويقول: هنا يبقى أرحم من البقاليات المنتشرة في أحياء المدينة.

أحم.. أحم

عيناه تتلصصان من بين الشقوق عن الأرخص، قبل أن يهمّ بالدخول، (أحم أحم) يتنحنح الرجل الخمسيني، كأنما يريد أن يبعد شيطان الأسعار عن كابوسه، لفّة واحدة بين البسطات المدججة بأصوات الباعة من دون مكبرات صوت تصيبه بالذهول قبل أن يخرج محفظته، يفك عقدة حاجبيه، كأنما فرجت، المواربة بين ما داخلها من نقود وبين ما على البسطات شكّل خط التماس نصف كيلو بامياء، كيلو بندورة، رأس توم، دفع واستكفى!. حوالي ٣٥٠٠ ليرة، أبو أحمد يبتسم وكأنه انتصر على همّ يومه، وعاد من دون خفي حنين إلى مطبخ أم أحمد.

(العقابية) المتعجرفة

 ابنة السبع سنوات بجدائلها الذهبية تقفز كأرنب صغير، تشير نايا إلى العقابية المتكوّمة بعنجهيتها بداية كل موسم كتلّة على بسطة قريبة، (أريد من هذه)، تنهرها أمها، وتصوّب خطوها، إلى حيث التفاحيّة، مما تشكو (القرباطية)، حسبما يلقبونها، (ألف ليرة للكيلو) تقول المرأة المتقشّفة!

 تراجيديا الموقف

 يفرجها ربك من حيث يشاء، ترى الناس المحملة بهموم المعيشة تعتل أكياس النايلون السوداء تصفّ سياراتها في المدخل الرئيس لسوق قنينص، الذي تحوّل إلى كراج سيارات لمرتاديه، هذا السوق الذي قالوا أنه لن يفي بالغرض ووفّى قالوا إنه غير  موفّق، وتحققت به شروط النظافة والحداثة، إنارة جيدة ممرات واسعة، سقف واقٍ، في منطقة محايدة نسبياً عن السكن.

مداخله باتجاهات أربعة الوصول إليه سهل ميسّر، من أوتوستراد قنينص، وطريق المشاحير الفرعي وتفرعاته المتعددة باتجاه دواري الزراعة وهارون، بالمختصر هو السوق الأنسب ارتياداً لقاطني أحياء شارع الجمهورية والادخار والمشاحير والضاحية وبسنادا وما شابه، وهو السوق الذي دافعت المحافظة وبلديّة اللاذقية بشدة عن إقامته حيال كل من استهجن الفكرة، وهو الوحيد المنظم في المنطقة إذا استبعدنا، سوق قنينص العشوائي غير المعترف به إلى الشرق الغربي، وسوق الريجي القديمة، إلى الجنوب الغربي، هو بديل سوق التأمينات، وما أدراك ما كان ذاك السوق المهتلك المتهالك!

عشرات الأطنان من الخضار والفواكه تنزّل حمولتها هنا لتأخذ طريقها إلى الاستهلاك الآدمي، وملايين الليرات حصيلة التيبادل النقدي فيه يومياً، يقصده الزبائن ولا يسترخصون أسعاره، ولا يجدون كل طلباتهم به، محصور بالمحاصيل الزراعية، تغيب عنه رائحة الريف بأعشابه، وعطارته، مع أن فيه قسماً مخصصاً للمنتجات الريفية، لكنها عاجزة عن أن تحقق على أرض الواقع الصورة التي رسمها منشئو هذا القسم، لا بيض لا دجاج، لا زوفا أو ملّيسة، لا عشبة برّية أو جوية، كأنّه نسخة طبق الأصل عن السوق الجار فليدمج به ولمَ هذا الفرز بعد؟!

خديجة معلا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار