الوحدة : 6-6-2021
لاشكّ في أنّنا إذا أردنا أن نلامسَ أسمى معاني العِزّةِ والعَظمَةِ، فعلينا أن نحاورَ تاريخَنا العربيَّ الذي حفِل بمواقفِ العَظمةِ وصفحاتِ المَوعظةِ، وأُسسِ الخُــلُق النّبيلِ وإشراقةِ الحياةِ، ولعلَّ (المرأةَ) تمثِّل أحدَ أهمِّ تلك الصّفحات المُشرِقة التي عمَّ سناها كلَّ مَنْ حولَها فقد نهجتْ منهجَ الفضيلة من بابِها الواسعِ، ولبستْ ثوب الجمال والجلال، فبدتْ صفحةً عنوانُها القدَاسة والنّور، ونشرتْ نورَها على كلّ ظلامٍ حولَها، واستطاعتْ أن تكونَ نِدّاً للرّجلِ في أكثرَ من مجالٍ من مجالاتِ الحياةِ على الرَّغمِ من صورتِها التي حملَتِ الصِّفةَ ونقيضَها فقد حملتْ رِقّةَ الحِسِّ وصفاءَ الخيالِ إلى جانبِ قوّةِ العاطفةِ والجُرأةِ، فكانَتْ صورةُ المرأةِ مزيجاً استحقَّ الوقوفَ عندَهُ بالبحثِ والدِّراسةِ؛ بغيةَ سَبْرِ أغوارِ النّتاجِ الشّعريّ الذي كانَتِ المرأةُ محورَهُ سواءٌ كانَتْ شاعرةً تعبِّرُ عن مكنوناتِها من مشاعرَ وأحاسيسَ أم مادّةً شعريّةً أثارتْ قرائحَ الشُّعراءِ فراحُوا يلامسونَها في عالمِ الشِّعرِ الذي يكسرُ طوقَ الواقعِ إلى فضاءاتٍ إبداعيّةٍ تليقُ بِرقّتِها من(بيانٍ، وبديعٍ، وإيقاعٍ) وذلك بغيةَ كَسْرِ المكانِ والزّمانِ والانطلاقِ في فضاءِ الإبداعِ بعيداً عن المحسوسِ والملموسِ في جوٍّ تصويريٍّ جديدٍ، فيكونُ الشّعرُ حينَها وسيلةً مهمّةً في تصويرِ كلّ ما يموجُ في عالمِ الشُّعراءِ من مشاعرَ وأحاسيسَ مُلوّنةٍ تطفو على جسدِ النَّصِّ الشّعريِّ.
من خلالِ تلكَ التّشكيلاتِ الفنّيّةِ التي تقدّمُ صورةً حيّةً نابضةً بالحياةِ حينها تبدوَ القصيدةُ للقارئِ وكأنَّه لا يدري أيقرأ أسطراً أم يشاهدُ لوحةً فنّيّةً بارعةَ في جمالها؟! وبما أنَّ الشِّعرَ أصدقُ مُعبّرٍ عن الذَّاتِ
وبوصفِ المرأةِ نسغاً للحياةِ الذي يكمّلُ معالمَ الرِّجالِ. فقد شكّلَ ذلكَ حافِزاً لاختيارِ موضوعِ بحثِ أعدّ لنيل درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها اختصاص – أدبيات ، للباحث ياسر أحمد صيرفي بإشراف أ. د. سلمان الحطاب وجاء البحث بعنوان: (الأبعادُ الفنيّةُ لِصورةِ المرأةِ في الشِّعرِ الأندلسيِّ حتّى نهايةِ عصرِ المُرابطِين) فصورةُ المرأة بأبعادِها الفنيّةِ المُتجسّدةِ في الشّعرِ تعطي تصوّراً لتلكَ المرأةِ التي وُصِفَتْ بأنّها نصفُ الوجودِ، والفَرعُ المُثمرُ للرَّجلِ الذي يُعدُّ أصلاً. توقفنا عند البحث.
أهميّةُ البحث
تأتي بوصفه باباً يُقصدُ من خلاله الولوجُ إلى الأبعاد الفنّيّة لصورة المرأة والمتمثّلةُ بـ (التشكيلِ البيانيّ) الذي حرّك الخيال في ذهن المتلقّي، وجعل الصورة تنبض بالحياة و(التكوينِ البديعيِّ) الذي أتى رِدفاً للمعنى بوحدةٍ يصعب معها الفصل بينهما فضلاً على (الإيقاع) الذي ما كان إلّا مرآةً لروحِ الشّعراءِ، وبوقاً لمشاعرِهم في تجسيدِ صورةِ المرأةِ أجملَ تجسيدٍ وأدقَّ تفصيلٍ ،وهذا ما عكس إلى حدٍّ كبيرٍ حقيقتَها وسَبَرَ أعماقَها بانفعالاتها المُتباينةِ وبهذا يكونُ التّأريخُ الحقيقيُّ لها ولِما تحملُه من إبداعٍ وحذاقةٍ جعلاها مَحَطَّ الأنظارِ، فكانت -وما تزالُ- تثبت للخَلقِ أنَّ الإبداعَ لا لونَ له ولا جنسَ، سواءٌ كانت مُنتجةً الشعرَ أم مثيرةً للخيالِ الشعريِّ في ذهن الرّجال على حدٍّ سَواء .
وقد اعتمد البحثُ على (المنهج الوصفيّ التّحليليّ) الَّذي يقوم على ملاحظة الظَّاهرة الشّعريّة في صورةِ المرأةِ، واستقرائِها، ووصفِها، وتحليلِها واستخلاص النّتائجِ المرجوّةِ منها؛ ليكونَ البحثُ بذلك دراسةً تحليليّةً تسبِرُ مواطنَ القوّة والجمالِ، وقد تمّ ذلك من خلالِ تسليطِ الضّوءِ على التَّشكيلاتِ البيانيّةِ، والتَّكوينِ البديعيِّ، والإيقاعِ، ما أعطى الشّعرَ لمسةَ الإبداعِ والجمالِ، وأثارَ الخيالَ، وعبّرَ عن المكنوناتِ التي ظهرَتْ في شعرِ المرأةِ أو في شعرِ الشّعراءِ الَّذين تناولوها في أشعارِهم. أمّا (الإطار الزّمنيّ) للبحث فهو (العصرُ الأندلسيُّ منذُ بداياتِه المُتمثّلةِ بعصرِ الوُلاةِ سنةَ، خمسٍ وتِسعينَ للهجرةِ، وانتهاءً بزوالِ عصرِ المُرابطينَ سنةَ خَمْسِمئةٍ وأربعين للهجرة).
وقد انتظمَ البحثُ في تمهيدٍ ومقدّمةٍ وثلاثة فصولٍ، يتبعُها خاتمةٌ، وفهارسُ فنيّةٌ، وثَبْتٌ للمصادر والمراجع
وقد ذُيّلَ البحثُ بخاتمةٍ بيّنتْ أهمَّ النّتائجِ الَّتي توصّل إليها البحثُ، ومن الصّعاب الَّتي واجهت الباحث:
– انتشارُ الشّعرِ الَّذي يصوّرُ المرأةَ على شكلِ شَذَراتٍ في بطونِ المصادرِ والمراجعِ، وهذا ما أوجبَ التَّقصّي والبحثَ، فكانَ لابُدَّ من الاستعانةِ ببعضِ الأبحاثِ السّابقةِ الَّتي تَمُتّ للبحثِ بصلةٍ؛ لرسم دائرةٍ مُصغّرةٍ حولَ المصادرِ المُقترَحةِ.
– تعدّدُ الرّواياتِ في الشّواهدِ الشّعريَّةِ في أكثرَ من مصدرٍ، أو مرجعٍ، وقد وصلَ الاختلافُ إلى درجةٍ تمَّ فيها تغييرُ كلماتٍ بكاملِها.
– وجودُ أبياتٍ تحتوي على ألفاظٍ تنافي اللّباقةَ، والذّوقَ الأدبيَّ، فكنّا أمامَ خيارَين؛ إمّا أن نأخذَ بها لتكونَ وجهَ استشهادٍ، وإمّا أنْ نهملَها وعندَها سنهملُ شواهدَ نحنُ بحاجةٍ إليها أمامَ الغرضِ الَّذي سِيقَتْ له.
هذا وقد تألفت لجنة الحكم من السادة الدكاترة: د. عبد الستار سيد أحمد، د. فيروز الموسى، د. حسان الحسن، د. وفاء جمعة، د. سلمان الحطاب .
نال الباحث درجة 86%، وتقدير امتياز.
نور محمد حاتم