بالمقاومة… القدس أقرب

الوحدة: 6-5-2021


 

منذ بزوغ فجر الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وانتصارها على نظام الشاه البائـد قام قائد الثورة ومفجرها الإمام الخميني (رحمه الله) بالإعلان عن (يوم القدس العالمي) في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك ليكون يوماً عالمياً لأعظم وأهم قضية لشعوب المنطقة، ومنذ ذلك الوقت يتم إحياء هذا اليوم بالاحتفالات والمهرجانات والمظاهرات والمؤتمرات ومختلف الأنشطة الإعلامية والشعبية والسياسية، ليس في إيران فحسب؛ بل أخذت تنمو وتتسع وتنتشر من بلد إلى بلد، وتمتد من قارة إلى أخرى، فإحياء هذا اليوم لا يقتصر على بلد معين أو فئة محددة. واليوم وبعد مرور ما يقارب اثنين وأربعين عاماً على ذلك النداء المبارك ما زال صدى صوت الإمام الخميني (رحمه الله) يتردد في أنحاء العالم، وما زالت شعوب العالم الحرة تلبي نداءه المبارك في كل عام عبر إحياء مراسم يوم القدس العالمي بفعاليات تظهر غضبها على الكيان الإسرائيلي الغاصب، وليتحول يوم القدس العالمي إلى يوم مواجهة شاملة بين المستضعفين والمستكبرين، وليكون عامل استنهاض للأمة من أجل ترك الانشغال بالخلافات المناطقية والإقليمية، والمشاكل العرضية؛ والالتفات إلى القضية الجوهرية الكبرى التي تحدّد مصير شعوب المنطقة وترسم مستقبلها؛ ألا وهي قضية العمل من أجل تحرير القدس الشريف وكل فلسطين والأراضي المحتلة من رجس الاحتلال الصهيوني البغيض.

 وفي كل عام يخرج الملايين من أبناء الشعب الإيراني في مظاهرات حاشدة؛ ليعلنوا عن وقوفهم الكامل مع الشعب الفلسطيني الأبي في قضيته العادلة حتى استعادة كافة حقوقه المغتصبة.

وتجدر الإشارة إلى أن الفعاليات الجماهيرية ليوم القدس العالمي في إيران لم تتوقف طيلة العقود الأربعة الماضية، ولكن وبسبب تفشي فايروس كورونا؛ فقد اقتصرت هذه الفعاليات في العامين الأخيرين على الحملات الإعلامية والفعاليات المختلفة عبر الفضاء الافتراضي، وعبر وسائل الإعلام المتنوعة… وإذا كانت إيران ولبنان واليمن وسورية سبّاقة إلى إحياء هذا اليوم العظيم، فإن أبناء مدن عربية وإسلامية عديدة باتوا يعتبرون إحياء هذا اليوم من أوجب واجباتهم، ولم يقتصر التفاعل مع يوم القدس على الدول والتجمعات الإسلامية فقط، فقد برزت تفاعلات إيجابية في أوساط العديد من الدول والمجتمعات غير الإسلامية، حتى في داخل الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأساسي والراعي الحصري للكيان الصهيوني، وكان لافتاً في السنوات الأخيرة مشاركة مجاميع وازنة وشخصيات بارزة من اليهود (الأرثوذكس) المعادين للصهيونية والاحتلال الصهيوني لفلسطين.

ولكن ما يدعو للأسف حقاً هو أن تحلّ مناسبة يوم القدس لهذا العام فيما دول وأنظمة وممالك عربية؛ وفي مقدمتها بعض ممالك النفط قد أصبحت حليفاً معلناً لكيان العدو الصهيوني، وفي زمن خيانتهم المعلنة اتجهوا لمدَّ جسور العلاقات وتشكيل التحالفات وعقد الاتفاقيات مع الصهاينة، ووظفوا الأموال لتمرير صفقة العار المشؤومة بهدف تصفية القضية الفلسطينية، واتجهوا لتشويه وعي الشعوب بإعلامهم ونشاطاتهم التي تهدف إلى خلق وعي جمعي يرى في الصهاينة أحباباً ودودين، وعملوا على أن تصبح قضية فلسطين والمسجد الأقصى نسياً منسيّاً، وسعوا إلى تغييب القضيّة عن وعي الشعوب وضمائر الأجيال، بعد أن کانت القضيّة الرئيسة للشعوب العربية والإسلامية.  

وفي الوقت الذي أرادوا فيه  قتل القضية الفلسطينية من خلال تصنيف حركات المقاومة الشريفة في خانة الإرهاب، وتجريم كل من يقف إلى جانب فلسطين ويتمسك بالقدس وبتحريرها كقضية أولى ومركزية، وفي هذا الزمن الصعب الذي أرادوا فيه إزالتها من وجدان الشعوب العربية والإسلامية؛ يأتي الاحتفال بيوم القدس العالمي ليجعل الأمة الإسلامية وأجيالها الشابة أكثر ارتباطاً بالقدس، وأكثر إيماناً بتحريرها، فالإمام الخميني (رحمه الله) عندما دعا ليوم القدس أراد أن يجعل القدس قضية مشتعلة في الوجدان، وأراد أن يجعل الكيان الصهيوني منبوذاً ومحاصراً، وأن يكون هذا اليوم منطلقاً لتحرير فلسطين ومقدسات الأمة، ولهذا فإن إحياء يوم القدس يعزز ثقة الناس بقضيتهم العادلة وبأنّ مصير المسجد الأقصى إلى التحرير مهما كانت قوة الكيان الإسرائيلي وداعميه؛ ورغم خذلان بعض الأنظمة العربية للشعب الفلسطيني، وتخلِّيها عن واجب الدفاع عن المسجد الأقصى بحجج واهية و بأعذار لا صحة لها.

ولا بد لنا و نحن نحيي يوم القدس العالمي أن نتذكر شهداء فلسطين وشهداء الأمة؛ وأن نترحم على أرواحهم الطاهرة، وأن نقف إجلالاً وإكباراً لهذه النفوس الأبية؛ وعلى رأس قائمة الشهداء قائد شهداء القدس الحاج قاسم سليماني (رحمه الله) الذي أصبح رمزاً لجميع أحرار العالم في مواجهة الظلم والاستكبار؛ والذي كان حاضراً دوماً مؤيداً مسانداً وداعماً، وبذل الغالي و النفيس، ولم يبخل بروحه الطاهرة، حتى تحقق حلمه بأن يكون شهيداً على طريق القدس وفلسطين، و مما لا شك فيه أن  جريمة اغتيال الشهيدين سليماني والمهندس (رحمهما الله) قد تمت بقرار صهيوني وبتنفيذ أمريكي، لأن المصالح الصهيونية هي التي استدعت اغتيال الحاج سليماني فقد كان مصدر التهديد الأول لها، والداعم الأكبر للمقاومة ضدها في كل مكان في العالم، ولقد ظنوا أنهم بمثل هذه الجرائم سيضعفون دول محور المقاومة، وسيجعلونها تتراجع عن أهدافها وتطلعاتها المشروعة، ونسوا أو تناسوا أن أقسى العقوبات الأمريكية التي فرضت عليها لعقود طويلة لم تثنها عن مناصرة المظلومين والمستضعفين ومقارعة الطغاة والمستكبرين، ولا عن إيصال مظلومية الشعب الفلسطيني إلى كل العالم، وفضح ممارسات الكيان الصهيوني وما يمثله من خطر على المنطقة كلها وعلى مستقبلها، ويظهر ذلك جلياً في ظل الأحداث التي تتوالى على منطقتنا كلها بشكل عام، وعلى فلسطين المحتلة بشكل خاص كنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والحديث عن الوطن البديل خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة بما اصطلحوا على تسميته بـ (صفقة القرن)، وذلك في ظل تواطؤ من بعض الأنظمة العربية، وممالك البترودولار خصوصاً، وقيامها بالتطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني الغاشم فيما يطلقون عليه تسمية (اتفاقيات ابراهام) التي تم عقدها مع تلك الأنظمة العميلة؛ برعاية أمريكية؛ والتي تهدف إلى طمس القضية الفلسطينية نهائياً، وإلغاء حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين ومنعهم من الحصول على حقوقهم المشروعة من خلال العمل على تحويل الأنظار عن الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني وفي حق جميع شعوب المنطقة، والعمل على صناعة عدو وهمي؛ عن طريق تشويه صورة إيران ومحور المقاومة بشكل عام، وإطلاق الدعايات والإشاعات الكاذبة بكل ما لديهم من إمكانات، وباستخدام أقذر وأخبث الأساليب الشيطانية…. ولكن سيخيب سعيهم بإذن الله، وعليهم أن يعلموا بأننا سنتصدى لهم و سنواجه جميع مؤامراتهم وصفقاتهم بالتعاون مع أشقائنا في سوريا و في دول محور المقاومة و مع جميع الأحرار في شتى دول العالم، فدعم المقاومة واجبنا، وهو جزء من روح دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونحن ملتزمون بالوقوف مع القضايا العادلة والمشروعة للشعوب المظلومة، ونحن مؤمنون بأن الشعب الفلسطيني هو شعب مظلوم وصاحب حق ثابت في الأراضي المقدسة، ولذلك فإننا لن نتخلى عن موقفنا نحو القدس وفلسطين مطلقاً، ويجب أن يعلم القاصي والداني أن قلوبنا وأرواحنا معلَّقة بأولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين، وأرض الإسراء و المعراج، وليس لدينا شك أبداً بأنها ستعود إلى أصحابها الحقيقيين مهما طال الزمن (وما ذلك على الله بعزيز).

أ‌.عليرضا فدوي

الملحق الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في اللاذقية

تصفح المزيد..
آخر الأخبار