العـــــدد 9309
الإثنـــــين 11 آذار 2019
قالت لي ألا تحبّ أن تكتب قصة عن شجيرات الياسمين؟
لم تنتظر إجابتي وتابعت حديثها، أقول لشريك حياتي ساعة أغضب: جارتي في الطابق الأرضي سعيدة مع زوجها، إنهما يعيشان في انسجام لا مثيل له، يزرعان الحديقة بالأزهار معاً، يضحكان معاً، يقتطفان ثمار الفرح والحياة.
اليوم تشاجرت مع زوجي وصحت في وجهه: أمور كثيرة تضايقني وتثيرني، نحن مختلفان في كل شيء.
التفت نحوي مستغرباً، واصلت حديثي، وأنا أرتعش كشيجرة تحت المطر:
حياتي تأكلها نيران المشاكسة، أحببت بجنون إلا أنني أخشى يوماً عاصفاً يحطم كل ما بيننا.
احتفظ زوجي بصمته، وتابعت كلامي: يقدّم الجار لزوجته هدايا رائعة ويتحدّث بصوت رقيق، أسكرتني حالة جارتي، يرشقني زوجي بنظراته ويقول: أنتِ تحبين السّراب ولو خدعكِ، تحبّين الابتسامة ولو كانت كاذبة، إنك تذكرين الجارين وأنتِ تقدّمين المائدة، وتذكرينهما عندما تتهيئين للنوم، وعندما يأتي الصباح هل أنسج دنيا عجيبة وأحلاماً برّاقة وأنا أكمل دراستي الجامعية؟
أتّهم زوجي بأنه التصق بمهنة المحاماة، وتزوّجها، وأنه مشغول في قاعات المحاكم، وأروقتها نهاراً، وهو مشغول في مكتبه ليلاً.
يتساءل: هل يملك الرجل قلب زوجته بالمال والهدايا، وما يحدث من خلافات صغيرة يحدث في كل البيوت.
أتحوّل إلى فم ثرثار، وتنهال الكلمات على زوجي، يتبسم لي: ألا تذكرين رسائل الحب؟
أقول له غاضبة: الجاران رائعان، الوجهان مشعّان بالسعادة هما أكثر الأزواج تفاهماً، وأنتَ تحدّثني عن رسائل كتبتها لي من سنوات وطواها الزمن.
يقول زوجي متعجباً: نحن لا نلتقي بالجارين إلا قليلاً، كيف تميّزين بين الواقع والوهم؟
أقول له: انظرْ إلى ثياب الجارة الأنيقة، وسيارتها الجديدة وتسريحة شعرها وأثاث منزلها.
رنّ جرس البيت أطلّت جارتي بوجهها الفاتن: استقبلتها بشوق وغبطة . . . قالت:
جئت مودّعة، حياتنا جحيم لا يطاق، هذا يكفي تحمّلت الكثير، رجل مخادع أخفق في مشاريعه وأعماله وزواجه.
أخذتْ تشهق وتبكي، وقالت: اتفقنا على الطلاق، هذا أمر لا بدّ منه، بعنا الشقة وسأسكن عند أهلي.
مضت بخطوات سريعة، أخرج إلى الشرفة، شجيرات الياسمين تستلقي على سور الحديقة في الطابق الأرضي وأزهارها ذابلة، وكانت الشمس تتوارى خلف غيوم سوداء.
عزيز نصّار