الوحدة 11-3-2021
غالباً ما يحمل النتاج الأدبي الموجه للطفل رسائله التربوية والمعرفية من خلال جودة المحتوى والفكر الإيجابي الذي تقدمه هذه النصوص مهما كانت طريقة العرض أو الأسلوب اللغوي المستخدم فيها، وهذا ما يتيح الفرصة لتقييم هذا الإنتاج من حيث الجودة ومدى الإقبال عليه من قبل أطفالنا، وفي هذه السطور نطرح هذه المسألة من خلال كتاب يشرح شروط الكتابة للطفل وأسس تحليل المضمون وهو بعنوان (أدب الطفل وقيم البناء) للأديب د. صلاح شعير الذي يدون فيه خلاصة تجربته في تفنيد هذا النوع من الأدب، ويرى فيه أن أهم ما يميز أدب الطفل هو كشف بعض الجوانب المعرفية، من خلال تقديم مادة شيقة مع التركيز على كيفية عرضها. وترجع أهمية هذا الكتاب، بحسب الباحث، في تسليط الضوء على مرحلة الطفولة، بوصفها من أهم المراحل المؤثرة في حياة الإنسان، والمجتمع، وهذا التأثير يمكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً، وذلك حسب البيئة التي ينشأ بها كل طفل، ومن هنا يصبح الاهتمام بأدب الطفل وسيلةً مكملة للخطط التنموية ومن ثمَّ غرس القيم الإيجابية في وجدان الشعوب منذ بواكير الطفولة، وقد تم اختيار بعض الأدباء كعينة تمثل الأدب العربي المقدَّم للطفل، مقابل أدباء من دول أوروبية متطورة في هذا المجال، للوقوف على مدى جودة أدب الطفل في عالمنا العربي مقارنةً بالدول الكبرى، وذلك من خلال تقصّي وتحليل المضمون والقيم التربوية في النص الأدبي الموجه إلى الطفل.
وعن أهداف أدب الطفل يرى د. صلاح شعير في كتابه أن أهم ما يميز هذا النوع من الأدب هو تقديم بعض الجوانب المعرفية للطفل بطريقة مشوقة وكذلك طريقة التوجيه والإيحاء من خلال النص بأسلوب ميسر معتمد على إشباع حب الاستطلاع لدى الطفل، لتنمية خياله، وإلى مخاطبته حول طبيعة الإنسان، والإنسانية عامة وإنجازاتها، وصولاً إلى استكشاف العوالم المختلفة حوله، وحسب رأيه فإن أدب الطفل يحتوي على عدة أهداف: ثقافية، بهدف تقديم المعلومات والحقائق، واجتماعية: لتعريف الطفل بمجتمعه، وعقلية: كي يتيح للطفل فرصة لنشاط عقلي مثمر، وجمالية: بأن يستخدم الأساليب الجمالية من رسم ولغة وأسلوب لجذب انتباه الطفل، أما من ناحية بناء شخصية الطفل: فالأدب يعمل على تكوين المعايير، والاتجاهات الصحيحة، وتبصير الأطفال بأنماط السلوك وأساليب البناء.
وعن دور الأسرة والمدرسة وأدب الطفل في تكوين القيم والاتجاهات، يرى المؤلف أن الأسرة هي الحاضنة الأوَّلية والأساسية لغرس القيم الحضارية في عقل الطفل، ودعامة التنشئة الأسرية في أن تقوم على أسس تربوية سليمة، حتى يتم التأسيس لهذه المرحلة وفقًا للنماذج العلمية التي تضمن للمجتمع المردود الإيجابي، وبما ينعكس على شخصية الفرد فيما بعد، ولكن الأسرة ليست هي الجهة الوحيدة التي تقوم بعملية الإعداد والتنشئة، فالمدرسة تضطلع بدور كبير في بناء عقلية الطفل، لأنها تؤهله للتعامل مع المتغيرات الاجتماعية، والتطورات العلمية والتكنولوجية، ثم يأتي بعد ذلك دور الاهتمام بأدب الطفل كجهة ثالثة في تعزيز منظومة القيم لدى الأجيال الجديدة، لأنه يمثل المادة الخام للتعليم والمتعة بما يوفره من نصوص يمكن تحويلها إلى دراما أو قصائد تتحول إلى أغان، وعن علاقة أدب الطفل بعلم النفس، فقد ربط الباحث بينهما وفقاً لمنطلقات علم النفس، وحسب مدرج ماسلو للحاجات البشرية والتي تنقسم إلى: الاحتياجات الفيزيولوجية، والاجتماعية كالحاجة للتقدير ولتحقيق الذات.
وأكد الباحث على ضرورة تشابك البناء الفني بالقيم التربوية من خلال الإشارة إلى محددات أدب الطفل، وأهمية البناء الفني في العمليّة الإبداعيّة كمدخل، لأنه بدون جودة الأدوات الفنية في بناء النص الأدبي سيتوقف الطفل عن القراءة، أما جودة المضمون والقيم التربوية بداخل النصوص الأدبية فقد حددها الباحث بشرطين أساسيين وهما: أن يناسب هذا النوع من الأدب مستوى الطفل، ومراحله العمرية، وأن يصاغ بطريقة غير مباشرة تستهوي الطفل، وخلص المؤلف إلى أن جودة المضمون، وقيم البناء في أدب الطفل، ينطلقان من جودة المحتوى، والذي يمثل حجر الزاوية في نشر الفكر الإيجابي عبر النص الأدبي، كوسيلة للارتقاء بالشعوب؛ لأن الاهتمام بالصغار؛ يمد المستقبل بكوادر مؤهّلة للبناء، وهو وسيلة من أجل إعداد أجيال تتمتع بسلامة الصحة النفسية، والقدرة على التفكير العلمي.
ومما تقدم نستخلص بأن أدب الطفل، من وجهة نظر المؤلف، هو ذلك النوع النبيل من الفكر النظيف المغزول في نصوص أدبية متنوعة، من أجل تقديم المتعة والفائدة للأطفال، وتعزيز كل ما هو إيجابي في وجدانهم، ومن هنا تقترن سلامة المجتمع بمدى تكامل دور الأسرة والمدرسة وكُتاب الأطفال، من أجل رعاية وتعليم وتثقيف الطفل.
فدوى مقوص