وطـــــــــن ومواطــــــــن

العدد: 9307

7-3-2019

زوربا.. لم يتقيّأ يوماً من أكل الأرز ولا لحم الخنزير، رفضَ تسرّب العمر من بن أصابع فشله المتكرر، لكنه في النهاية أوجدَ طريقة سهلة لنقل الفحم من المناجم (راجماً) بحجارة جهله شهاداتٍ عليا وفلسفةً غير مثمرة..
زوربا.. كم نتمنّاك بيننا، ولطالما بحثنا في ضياعنا عن أحدٍ يشبهك، ونادراً ما وجدنا إلا ما تعفّن من خنزيرك أو ما تحلّل من بقايا كأسك المارقة..
ندقّ باباً فيكَ أيّها الساكن فينا، نسترق الأمل في حضرة عظمتك، فيصفعنا (صعلوك) بشعارات نسمعها لأول مرّة، نلتفتُ حولنا لنتأكد من (جغرافية) وجودنا.. نعم، نحن فوق أطهر أرض في هذا الكون.. إذاً ماذا يحصل؟
اللعين زوربا كانت تسوقه حاسة الشمّ إلى كلّ ما هو شهيّ من طعام وروائح جيف ونساء أو مال، فلماذا تزكم أنوفنا روائح (التعتير) والشقاء؟
صحيح أنّ المنجم انهار فوق زوربا مرّة، لكن الوقت ينهار علينا كلّ آنٍ، وكلّ ما بينه وبيننا ليس قاسماً مشتركاً، على الأقلّ من جهة التعامل مع النتائج، فـ (كأس واحدة) لدى زوربا كانت تصنع بداية جديدة، بينما (شفّة) واحدة ترسم فينا ألف نهاية!
ببساطة متناهية، ومن حيث يقف كلّ منّا ليس هناك ما هو أكثر وضوحاً من النهايات..
دقّ الجرسُ، هذا يعني أنّ الحصّة الدرسيّة انتهت سواء انتهى الدرس أم لا!
أصبحت الساعة السادسة مساء، هذا يعني أن وقت التغذية الكهربائية لهذه الفترة انتهى، سواء أكانت الساعتان السابقتان (منوّرتين) أم استهلكتا بإصلاحات الشبكة!
البداية (مطّاطة).. قد يتأخّر المدرّس عن بداية الحصّة بحجة أنّه كان في الإدارة، وقد يتأخّر الموظّف عن دوامه، فالمواصلات ذريعة تتمدّد و..
ما بين البداية والنهاية لا شيء واضح غير النهاية كما أسلفنا إلا عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ مشروع حيث لا وضوح إلا في البداية، فأغلب المشارع نعرف متى تبدأ والله وحده يعلم متى تنتهي أو كيف ستنتهي!
في معظم الاجتماعات (الاستعراضية) يكون الحديث عن عشرات المليارات المخصصة لتحسين الخدمات وخلق فرص العمل وتحقيق التنمية، ويمضي العام ويأتي آخر بملياراته الجديدة والواقع من سيئ إلى أسوأ!
الله يصبّحك بالخير يا جار.. هل لديك جواب على أيّ من هذه الأسئلة؟
على ذكر الجار، عدتُ قبل عشر سنوات من دمشق إلى (ضيعتي) وأول ما فعلته أني زرعت شجرة (زنزرخت) أمام بيتي، وربّيتها (كل شبر بنذر)، وبعد أن شبّت وغمرتني بوارف ظلّها صيفاً، جهّز جاري شقّته المجاورة وأمامها (فسحة) تسرق القسم الأكبر من ظلّ شجرتي عندما تميل الشمس نحو الغرب والغروب، وكان ينعم أكثر منّي بهذا الظلّ، وما أن زحف الخرف بـ (أصفره الحزين) وبدأت أوراق شجرتي تغادر أفنانها حتى أقسمَ عليَ جاري ألا أقصّها مع أنّ زوجته متضايقة من تساقط الأوراق في فسحتها..
عذراً يا جار، لقد خالفتُ يمينك، وقطعتُ الشجرة، وأصبحت أغصانها رماداً (والدفى عفى) يا رجل!
شدّت إحدى (كنّتيها) من خصرها، وغمزتها بعينها أن تتبعها.. فرحت (الكنّة) لأنها توقّعت أن تسمع من حماتها كلاماً ضدّ (سلفتها)، لكنها صُعقت عندما قالت لها حماتها: ألا تستطيعين أن تكوني مثل (سلفتك)، لقد أهدتني قطعة ذهب..
في ذلك المساء كان صراخ هذه (الكنّة) وزوجها يرعد في المنزل حين خرجت (الحماة) تسرّح ما تبقّى من شعرها مع أنّ الكهرباء مقطوعة والبرد (يقصّ المسمار)!
زوربا، أيّها اللعين، لولاك لما كانت هذه النميمة، لكني سأقسم لك أنّي لا أقصد بها طريقة التعامل بين زملاء مهنة، ولا علاقة مواطن بمسؤول، ولكن المطلوب لهذه الزاوية (500) كلمة، وقد زادت بضع كلمات!

غــانــم مــحــمــد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار