التدخين ثم التدخين…

الوحدة22-2-2021

لقد اشتعلت أسعار الدخان في الأسواق كما غيرها من المواد لتحرق ما في الجيوب فأقلها بالألف وما فوق وتستوي مع باقي الحاجات الضرورية والاستهلاكيات, ولا أحد قد ابتلاه يستطيع الانفلات من سيطرته على النفس, فهو الداء والبلاء في هذه الآونة, ونحن نرى الشباب يحملون أركيلتهم على ظهورهم أينما ذهبوا ليحلوا بها في أي مكان صديق أو جيران وفي الرحلات والنزهات , وليس شرها مستطيراً على الرجال والذوات الميسورة بل استفاض على الصبايا والشبان وبكل حالاتهم وأحوالهم, وشر البلية ما يضحك هو ما كان في جواب بعض الشباب كسراب الدخان (التنفيث عن النفس ) بل إن أشد الناس بؤساً وشقاء هم من يدمنون على التدخين, وقد ازدادت أماكن بيعها ودكاكينها في المدينة والريف بمراكز التوزيع والسوبرماركات والكولابات وغيرها عند رجال وقفوا على حواف الطرقات مع بعض كيلوات من الدخان دون منكهات لتكون من الفرضيات والضروريات مع كل التحذيرات والتوصيات .

كريمة متقاعدة وغير متزوجة تعيش مع أختها المطلقة والاثنتان تدخنان ولما وقع السؤال على كلتيهما ( لم تدخنان؟ )أجابتا بالحال: أنهما لا تعلمان لماذا وكأنهما خلقتا وفي فمهما سيجارة, وكريمة خضعت مؤخراً لجراحة في الرأس وبعد الشفاء وإلمامها بالراحة رجعت للتدخين رغم كل الاعتراض الذي تمليه عليها صحتها وأخواتها ومن يتناوب على الجلوس بجانبها وترفض رفضاً قاطعاً الانقطاع عنه وهي ترى كل من حولها يدخن ولكل أخت حكايتها .

فريال المطلقة من الشهر الأول لزواجها قالت :إنها لم تتفق معه منذ الأيام الأولى ليتبين لها استحالة في العيش بل لم يكن من استمالة له, فرضته الأيام عليها فكان ما كان, وعندها بدأت التدخين مع رفيقاتها في المركز الصحي حيث رفيقاتها أعطوها سيجارة مع فنجان القهوة مرة كضيافة ليتشاركن الحديث ومن وقتها أدمنت الأمر وانصاعت إليه بلا إرادة ولم تعد تستطيع الإفلات منه بل زادت فيه وأصبحت تشتري الباكيت (سليم) ب1200 ليرة يومياً وتحملها في حقيبتها أينما تذهب بل تشتري اليوم اثنتين وتفضله حتى على ابتياع الطعام .

وأختها سعاد المتقاعدة وهموم الأولاد كبرت بعد تزويجهم والحال ضيقة عليها وعليهم قد احتالت على أسعار التدخين وبدلت (باكيت الحمراء) بالدخان (القشق) كما دعته وتحمل أدواتها من مبسم وكيس شفاف مملوء بدخان وعلبة معدنية تلفه بسهولة , فقد كانت تدخن باليوم اثنتين وثلاث خاصة إذا ما استضافت إحدى الجارات أي ما يقارب 5000 ليرة وبهذا السعر تشتري نصف كيلو دخان من شباب ركنوا في زاوية الكراج لتجلس على أريكتها وتلف سجائرها منذ الصباح مع فنجان قهوتها وتضعها في (باكيت) اختزنتها في آخر مرة اشترتها وترى في ذلك متعة لم تكن تصادفها سابقاً, وتؤكد أن معظم المدخنين وكل من تعرفهم هم أصبحوا مثلها يشترون الدخان من زارعيه فهو أرخص وأرحم لهم بالسعر بعد هذا الغلاء الذي نشهده في الأسواق .

يمكن أن يقول قائل: إنها عائلة (محششين) لنبتعد عنهم قليلاً فنرى الشباب أيضاً اليوم وأكثر من أي وقت مضى يقبلون على التدخين والأراكيل, وحسام عبد الله بالجامعة سنة ثانية هندسة يقول إنها تنفيسة فقط يتشارك بها مع رفاقه فهو قد أصبح شاباً ويقرر لنفسه, ولا يجد فيها أي أذية .فالعمر واحد ولكل منا أجله ولن يقدم يوماً أو يتأخر يوماً, حتى أن الطبيب الذي يقول لك يجب أن تترك التدخين لأجل صحتك يقولها وبيده السيجارة التي ينفث دخانها في وجهك بعد المعاينة, وشركات التدخين هم يكتبون على غلاف الباكيت التدخين مضر بالصحة ويسبب السرطان وأمراض الرئة والقلب لكنهم بالوقت نفسه يزيدون في بضاعتهم وإنتاجيتهم ليطرحوها بالأسواق بألوان وأشكال وأسعار تفوق قدرتك الشرائية اليوم ولكن ما باليد حيلة أدمنا ووقع المصاب, فتصور يا رعاك الله .

نور سليمان طالبة بكالوريا بكلمة واحدة قالت : أنفث عن صدري الهم, فالبكالوريا هم وتحتاج لأكثر من التدخين وأهلي لا يتدخلون ولا يرفضون مراعاة لحالي وما دام ذلك يسعدني ويعطياني ثمنها بل يأتيان لي بالباكيت مقابل أن أدرس .

 هدى سلوم 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار